وبعد وفاة الشيخ أبي الطيب الطبري (450) يكاد أبو إسحاق يصبح العلم المتفرد بين فقهاء مذهبه، لا ينازعه في هذا منازع حتى أن الوزير نظام الملك لما بنى المدرسة النظامية ببغداد لم يقع اختياره لتولي التدريس فيها إلا على الشيخ أبي إسحاق، بل أنه جعلها برسمه بعد أن وافق الشيخ نفسه على ذلك. وفي العاشر من ذي القعدة سنة 459 جمع العميد أبو سعد القاشي الناس من مختلف الطبقات لا فتتاح المدرسة (?) . والقاء أول درس فيها، وطال انتظار الناس تشوقاً لحضور أبي إسحاق فلم يحضر، وطلب فلم يوجد، وعندئذ عهد العميد أبو سعد إلى أبي نصر بن الصباغ بالتدريس فيها.

وقيل أن أبا إسحاق إنما عدل عن الحضور بع موافقته لأن شاباً لقيه في الطريق فقال له: يا سيدنا، تريد تدريس في المدرسة؟ قال نعم. قال: وكيف تدرس في مكان مغصوب؟ وعندئذ غير الشيخ نيته ولم يحضر. ولما تولى ابن الصباغ التدريس في النظامية وبلغ الخبر نظام الملك غضب وأقام القيامة على العميد أبي سعد، وأبى أن يقبل بأحد سوى الشيرازي؛ وظهر أبو إسحاق بمسجد باب المراتب يلقي دروسه على عادته، فاجتمع إليه الناس داعين له لأنه رفض التدريس، وكان قد بلغهم انه قال: " إني لم أطب نفساً بالجلوس في هذه المدرسة لما بلغني أن أبا القاشي غصب أكثر آلاتها ونقض قطعة من البلد لأجلها ". غير أن تلامذة أبي إسحاق اغتموا لما فعله شيخهم، وفتروا عن حضور دروسه، وراسلوه يعلمونه انه إن لم يتول التدريس بالمدرسة فانهم سينفضون من حوله ويلحقون بابن الصباغ، فأرضاهم بالاستجابة تطيباً لقلوبهم؛ وصرف ابن الصباغ عن التدريس بعد أن قضى في ذلك عشرين يوماً، وجلس أبو إسحاق في النظامية في مستهل شهر ذي الحجة سنة 459 وبقي فيها مدرساً إلى حين وفاته أي حوالي سبعة عشر عاماً؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015