أربع وأربعين، يعني: وثلاث مائة، فلما نظر إلى كبره الناس، والغرباء، وقد امتلأت السكة بهم، وقد
قاموا يطرقون له، ويحملونه على عواتقهم من داره إلى مسجده، فجلس على جدار المسجد، وبكى ثم نظر إلى المستملى، فقال: اكتب: سمعت الصغاني، يقول: سمعت الأشج، يقول: سمعت عبد الله بن إدريس، يقول: أتيت باب الأعمش بعد موته، فدققت الباب فأجابتني امرأة، هاي هاي تبكي تنعي، وقالت: يا عبد الله، ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب؟ ثم بكى الكثير، ثم قال: كأني بهذه السكة ولم يدخلها أحد منكم، فإني لا أسمع، وقد ضعف البصر، وحان الرحيل، وانقضى الأجل، فما كان بعد شهر، أو أقل حتى كف بصره، وانقطعت الرحلة، ورجع أمره إلى أنه يناول قلما، فإذا أخذه بيده على أنهم
يطلبون الرواية، فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان، ويسرد أحاديث يحفظها، وهي أربعة عشر حديثا، وسبع حكايات، وصار بأسوأ حال، وتوفي في ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاث مائة، قال: وسمعته، يقول: ولدت سنة سبع وأربعين ومائتين، رحمه الله، قلت: وقع لنا من رواية الأصم كتاب المسند عن الشافعي، يرويه عن الربيع عنه، وليس هذا المسند صنعه الشافعي، وإنما انتخبه الإمام أبو جعفر محمد بن جعفر بن مطر من كتب المبسوط، فكان يسمع على الأصم، قال الحاكم: سمعت الأصم، يقول: رأيت أبي في المنام، فقال لي: عليك بكتاب البويطي، فليس في كتب الشافعي كتاب أقل خطأ منه، وذكره ابن الصلاح
في الطبقات، حكاه عن بعضهم أنه امتدحه بقصيدة منها:
أتيتك من بساط يا غاية المنى ... لطيب ذكر منك في الناس فائح