ثمَّ قَالَ أَبُو عمر بعد ذَلِك الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب أَن من ثبتَتْ عَدَالَته وَصحت فِي الْعلم إِمَامَته وبالعلم عنايته لم يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول أحد إِلَّا أَن يَأْتِي فِي جرحته بِبَيِّنَة عادلة تصح بهَا جرحته عَلَى طَرِيق الشَّهَادَات

وَاسْتدلَّ بِأَن السّلف تكلم بَعضهم فِي بعض بِكَلَام مِنْهُ مَا حمل عَلَيْهِ الْغَضَب أَو الْحَسَد وَمِنْه مَا دَعَا إِلَيْهِ التَّأْوِيل وَاخْتِلَاف الِاجْتِهَاد فِيمَا لَا يلْزم الْمَقُول فِيهِ مَا قَالَ الْقَائِل فِيهِ

وَقد حمل بَعضهم عَلَى بعض بِالسَّيْفِ تَأْوِيلا واجتهادا

ثمَّ انْدفع ابْن عَبْد الْبر فِي ذكر كَلَام جمَاعَة من النظراء بَعضهم فِي بعض وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ لذَلِك إِلَى أَن انْتهى إِلَى كَلَام ابْن معِين فِي الشَّافِعِي وَقَالَ إِنَّه مِمَّا نقم عَلَى ابْن معِين وعيب بِهِ وَذكر قَول أَحْمَد بْن حَنْبَل من أَيْن يعرف يَحْيَى بْن معِين الشَّافِعِي هُوَ لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُوله الشَّافِعِي وَمن جهل شَيْئا عَادَاهُ

قلت وَقد قِيلَ إِن ابْن معِين لم يرد الشَّافِعِي وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْن عَمه كَمَا سنحكيه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ أَبِي مَنْصُور وَبِتَقْدِير إِرَادَته الشَّافِعِي فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَهُوَ عَار عَلَيْهِ وَقد كَانَ فِي بكاء ابْن معِين عَلَى إجَابَته الْمَأْمُون إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وتحسره عَلَى مَا فرط مِنْهُ مَا يَنْبَغِي أَن يكون شاغلا لَهُ عَن التَّعَرُّض إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي إِمَام الْأَئِمَّة ابْن عَم الْمُصْطَفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ثمَّ ذكر ابْن عَبْد الْبر كَلَام ابْن أَبِي ذيب وإِبْرَاهِيم بْن سعد فِي مَالك بْن أنس قَالَ وَقد تكلم أَيْضًا فِي مَالك عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلمَة وَعبد الرَّحْمَن بْن زيد بْن أسلم ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَابْن أَبِي يحيى وَابْن أَبِي الزِّنَاد وعابوا أَشْيَاء من مذْهبه وَقد برأَ اللَّه عز وَجل مَالِكًا عَمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد اللَّه وجيها

قَالَ وَمَا مثل من تكلم فِي مَالك وَالشَّافِعِيّ ونظائرهما إِلَّا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى

(كناطح صَخْرَة يَوْمًا ليقلعها ... فَلم يَضرهَا وأوهى قرنه الوعل)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015