والمرتبة الثالثة: حسن الفهم، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق 37] فتأمل ما تحت هذه الألفاظ من كنوز العلم وكيف تفتح مراعاتها للعبد أبواب العلم والهدى وكيف ينغلق باب العلم من إهمالها وعدم مراعاتها، فإنه سبحانه أمر عباده أن يتدبروا آياته المتلوة المسموعة والمرئية المشهودة بما تكون تذكرة لمن كان له قلب فإن من عدم القلب الواعي عن الله لم ينتفع بكل آية تمر عليه ولو مرت به كل آية ومرور الآيات عليه كطلوع الشمس والقمر والنجوم وكمرورها على من لا بصر له، فإذا كان له قلب كان بمنزلة البصير إذا مرت به المرئيات، فإنه يراها.

ولكن صاحب القلب لا ينتفع بقلبه إلا بأمرين:

أحدهما: أن يحضره ويشهده لما يلقى إليه فإن كان غائباً عنه مسافراً في الأماني والشهوات والخيالات لا ينتفع به فإذا أحضره وأشهده لم ينتفع إلا بأن يلقي سمعه ويصغى بكليته إلى ما يوعظ به ويرشد إليه.

وههنا ثلاثة أمور: أحدها سلامة القلب وصحته وقبوله.

الثاني: إحضاره وجمعه ومنعه من الشرود والتفرق، الثالث: إلقاء السمع وإصغاؤه والإقبال على الذكر. فذكر - الله تعالى - الأمور الثلاثة في هذه الآية "1.

والمرتبة الرابعة: هي الحفظ، قال الخليل بن أحمد: "ما سمعت شيئاً إلا كتبتهُ، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته إلا نفعني"2.

وعن الشعبي أنه قال: "كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به"3.

وأما المرتبة الخامسة: فهي العمل به، قال بعض السلف: "كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به". وقال بعض السلف أيضاً: "العلم يهتف بالعمل فإن أجابه حل وإلا ارتحل"4. فالعمل به من أعظم أسباب حفظه، وثباته، وترك العمل به إضاعة له فما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015