بالدون ولا يقنع بما دون الغاية ولا يقعد عن الجد والاجتهاد المبلغين له إلى أعلى ما يراد وأرفع ما يستفاد فإن النفوس الأبية والهمم العلية لا ترضى بدون الغاية في المطالب الدنيوية من جاه أو مال أو رئاسة أو صناعة أو حرفة حتى قال قائلهم:
إذا غامرت في شرف مدوم ... فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم
وقال آخر مشيرا إلى هذا المعنى
إذا لم تكن ملكا مطاعا ... فكن عبدا لخالقه مطيعا
وإن لم تملك الدنيا جميعا ... كما تهواه فاتركها جميعا
هما شيئان من ملك ونسك ... ينيلان الفتى شرفا رفيعا
وقال آخر:
فإما مكانا يضرب النجم دونه ... سرادقه أو باكيا لحمام
وقد ورد هذا المعنى كثيرا في النظم والنثر وهو المطلب الذي تنشط إليه الهمم الشريفة وتقبله النفوس العلية (?)
الهمة المضيئة والارادة القوية
ان كثيرا من الناس تكمن فيه الهمة كمون النار في الزند, فهذه الهمة بحاجة الى من يوريها ويقدح زندها, فمهما حفظ الإنسان من الحكم وكانت رغباته صالحة فلن يكون منتجا الا اذا شحذ همته وقويت ارادته, وانتهز فرصته, فلاتصغرن همتهك, فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال: "لاتصغرن همتكم, فاني لم ار اقعد عن المكرمات من صغر الهمم" (?) وقال الامام مالك رحمه الله: "عليك بمعالي الامور وكرائمها واتق رذائلها وما سف منها فان الله تعالى يحب معالي الامور ويكره سفاسفها" وقال بعض الحكماء: "الهمة راية الجد" وقال بعض البلغاء: "علو الهمم بذر النعم" (?) وقال الامام علي رضي الله عنه:
إِذا أَظمَأتَكَ أَكُفُّ الرِجالِ ... كَفَتكَ القَناعَةُ شبعاً وَريّا
فَكُن رَجُلاً رِجلُهُ في الثَرى ... وَهامَةُ هِمَّتِهِ في الثُرَيّا
وقال اخر:
إِنَّ لي هِمَّةً أَشَدَّ مِنَ الصَخ ... رِ وَأَقوى مِن راسِياتِ الجِبالِ (?)
وقال احمد شوقي: "الطير يطير بجناحيه, والمرء يطير بهمته", وقال ابن القيم رحمه الله: "انما تفاوت القوم بالهمم لابالصور" (?) فمن علت همته, وخشعت نفسه, اتصل بكل جميل, ومن دنت همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل (?) وقال الفت عجز العدة؛ فلو علت بك همتك ربا