وَالثَّانِي إِن المُرَاد مَكَّة وَالْمَدينَة فَإِنَّهُ يرْوى فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا الْكَلَام وَهُوَ يَوْمئِذٍ بتبوك وَمَكَّة وَالْمَدينَة حِينَئِذٍ بَينه وَبَين الْيمن فَأَشَارَ إِلَى نَاحيَة الْيمن وَهُوَ يُرِيد مَكَّة وَالْمَدينَة فَقَالَ الْإِيمَان يمَان ونسبهما إِلَى الْيمن لِكَوْنِهِمَا حِينَئِذٍ من نَاحيَة الْيمن كَمَا قَالُوا الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهُوَ بِمَكَّة إِلَى نَاحيَة الْيمن

الثَّالِث مَا ذهب إِلَيْهِ كثير من النَّاس وَهُوَ أحْسنهَا عِنْد أبي عبيد أَن المُرَاد بذلك الْأَنْصَار لأَنهم يمانون فِي الأَصْل فنسب إِلَيْهِم لكَوْنهم أنصاره

وَأَنا أَقُول وَالله الْمُوفق لَو جمع أَبُو عبيد وَمن سلك سَبيله طرق الحَدِيث بألفاظه كَمَا جمعهَا مُسلم وَغَيره وتأملوها لصاروا إِلَى غير مَا ذَكرُوهُ وَلما تركُوا الظَّاهِر ولقضوا بِأَن المُرَاد بذلك الْيمن وَأهل الْيمن على مَا هُوَ مَفْهُوم من إِطْلَاق ذَلِك إِذْ من أَلْفَاظه أَتَاكُم أهل الْيمن وَالْأَنْصَار من جملَة المخاطبين بذلك فهم إِذا غَيرهم

وَكَذَلِكَ قَوْله جَاءَ أهل الْيمن وَإِنَّمَا جَاءَ حِينَئِذٍ غير الْأَنْصَار ثمَّ إِنَّه وَصفهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يقْضِي بِكَمَال إِيمَانهم ورتب عَلَيْهِ قَوْله الْإِيمَان يمَان فَكَانَ ذَلِك نِسْبَة للْإيمَان إِلَى من أَتَاهُم من أهل الْيمن لَا إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة

وَلَا مَانع من إِجْرَاء الْكَلَام على ظَاهره وَحمله على أهل الْيمن حَقِيقَة لِأَن من اتّصف بِشَيْء وقوى قِيَامه بِهِ وتأكد اضطلاعه بِهِ نسب ذَلِك الشَّيْء إِلَيْهِ إشعارا بتميزه بِهِ وَكَمَال حَاله فِيهِ

وَهَكَذَا كَانَ حَال أهل الْيمن حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَان وَحَال الوافدين مِنْهُم فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أعقاب مَوته كأويس الْقَرنِي وَأبي مُسلم الْخَولَانِيّ وأشباههما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015