(الأول) : أن الأكثر قد يخطئ، قال الحافظ في الفتح تحت حديث ابن عباس إن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلم الناس فقال اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد من كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى قوله {الشَّاكِرِينَ} وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس منه كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها، الحديث: وكان أكثر الصحابة على خلاف ذلك، فيؤخذ منه أن الأقل عدداً في الاجتهاد قد يصيب ويخطئ الأكثر فلا يتعين الترجيح بالكثرة، ولا سيما إن ظهر أن بعضهم قلد بعضاً اهـ. فلا وجه للقول بوجوب اتباع الجمهور عموماً.

و (الثاني) : أن الخير والرشد في الناس قليل والشر والضلالة كثير، يدل عليه الآيات التي نتولها عليك:

منها قوله تعالى في سورة الأعراف: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} وقوله تعالى في سورة بني إسرائيل: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} .

ففي هاتين الآيتين قد نقل الله تعالى قول الشيطان، وهذا قاله إبليس على الظن فأصاب كما قال تعالى في سورة سبأ: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ المُؤْمِنِينَ} . ومنها قوله في سورة الأنعام: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} . وقوله تعالى في سورة (ص) : {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} . وقوله تعالى في سورة سبأ: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} . وقوله تعالى في سورة المائدة: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015