كان بالليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم أبرزوا السرير فيمطرون. فقلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: دانيال، قلت منذ كم وجدتموه مات؟ قال منذ ثلاثمائة سنة1. قلت: ما كان قد تغير منه شيء؟ قال. لا إلا الشعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع.

فانظر ما في هذه القصة من صنع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وتعمية قبر هذا الرجل لئلا يفتتن به الناس، كذا في (تبعيد الشيطان بتقريب إغاثة اللهفان) .

قوله: ومن أحسن ما يقال ما جاء عن العتبي، وهو مروى أيضاً عن سفيان بن عيينة، وكل منهما من مشايخ الإمام الشافعي، قال العتبي: كنت جالساً عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول –وفي رواية: يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتاباً صادقاً قال فيه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} . وقد جئتك مستغفراً من ذنبي.

أقول: ليست هذه الحكاية مما تقوم به الحجة، قال في الصارم المنكي: وهذه الحاكية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي، وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان، بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى آتى القبر، ثم ذكر نحو ما تقدم وضع لها بعض الكذابين إسنادا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما سيأتي ذكره.

وفي الجملة ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما تقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلف، ولفظها مختلف أيضاً، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015