و (الرابع) : أن إثبات الكسب ولو باطنيا للميت مخالف للنص الصريح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله" فلا يعبأ به، على أن قدرة الحي على الكسب يعلم حدها بالمشاهدة، مثلاً نعلم أن الحي يقدر على حمل الحجر، وعلى أن يحول بينه وبين عدوه الكافر أو يدفع عنه سبعاً صائلاً أو لصاً أو يدعو له أو نحو ذلك، وأما قدرة الميت على الكسب فعلى تقدير تسليمها لا نعلم حدها بالمشاهدة، فما طريق العلم بها؟ وهل هي مساوية لقدرة الحي أو زائدة عليها أو ناقصة عنها؟ فلا بد من بيانه حتى يطلب منه على حسبه، ودونه لا معنى لهذه الدعوة العمياء.
قوله: ذكر العلامة السيد السمهودي في خلاصة الوفاء: أن من الأدلة الدالة على صحة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ما رواه الدارمي في صحيحه عن أبي الجوزاء قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة رضي الله عنها فقالت انظروا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق.
أقول في هذا الكلام كلام من وجوه:
(الأول) : أن إطلاق الصحيح على مسند الدارمي -الذي اشتهر بالمسند، على خلاف اصطلاح المحدثين، وحقه أن يسمى بالسنن دون المسند- ليس بصحيح. قال المغلطاي إن جماعة أطلقوا على مسند الدارمي بكونه صحيحاً فتعقبه الحافظ ابن حجر بأني لم أر ذلك في كلام أحد ممن يعتمد عليه، كيف ولو أطلق ذلك من يعتد به لكان الواقع بخلافه.
و (الثاني) : أنه قال العراقي: المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع فيه كثير، وهذا الحديث من هذا القبيل كما سيظهر إن شاء الله تعالى.
(والثالث) : أن في سنده محمد بن الفضل السدوسي أبو النعمان البصري، قال الحافظ في التقريب: لقبه عارم ثقة ثبت تغير في آخر عمره. اهـ، وقال في الخلاصة: اختلط عارم قال أبو حاتم ثقة من سمع منه قبل عشرين ومائتين فسماعه جيد. اهـ وقال الذهبي في الكاشف تغير قبل موته وترك الأخذ منه، وقال الذهبي في الميزان: قال أبو حاتم اختلط عارم في آخر عمره وزال عقله، فمن سمع منه قبل العشرين ومائتين فسماعه جيد، وقال البخاري: تغير عارم في آخر عمره.