ومنها ما روي عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله". متفق عليه.

ومنها ما روي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال "السيد الله" فقلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً. فقال: "قولوا قولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان". رواه أحمد وأبو داود، ومنها ما روي عن أنس رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البرية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذاك إبراهيم". رواه مسلم.

ومنها ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمداً على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري كان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان فيمن استثنى الله تعالى". متفق عليه.

فعلم من تلك الأحاديث بعض من طرق تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإن رأس الأمر والعمدة في ذلك محبة النبي صلى الله عليه وسلم فوق محبة الوالد والولد والناس أجمعين، وهي لا تتم إلا بالاتباع والطاعة، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} . فمن كان أكثر اتباعاً وطاعة كان أكثر محبة، ومن كان أكثر محبة كان أشد تعظيماً، وأيضاً علم أن بعض أفراد التعظيم قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فمنه السجدة، وفي هذا الحكم جميع التعظيمات التي هي من جنس العبادة، كالدعاء والنذر والنحر والطواف والركوع وغير ذلك، ومنه التمثل قياماً والقيام تعظيماً كما تقوم الأعاجم، وأن المبالغة في الثناء والغلو والإطراء منهي عنه، بل الواجب في ذلك القصر على ما ثبت بالكتاب العزيز والسنة المطهرة، والدليل عليه أن في أول الأمر قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لفظ السيد وخير البرية والتخيير على موسى، فلما أوحي إليه أنه سيد ولد آدم، وأنه أكرم الأولين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015