أحد من نظار المسلمين يلتفتون إلى طريق المنطقيين، بل الأشعرية والمعتزلة والكرامية والشيعة وسائر الطوائف كانوا يعيبونها ويثبتون فسادها، وأول من خلط المنطق بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي وتكلم فيه علماء المسلمين بما يطول ذكره.
وأما ابتداء فشوه في المتأخرين، فقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه سنة 687. بعد أخذ التتار ببغداد سنة عمل الخواجا نصير الطوسى، الرصد، وعمل دار حكمة فيها فلاسفة، لكل واحد في اليوم ثلاثة دراهم، ودار طب فيها للحكيم درهمان، وصرف لأهلي دار الحديث لكل محدث نصف درهم في اليوم، ومن ثم فشا الاشتغال بالعلوم الفلسفية وظهر. ولم يكن الناس يشتغلون بها إلا الآحاد في خفية وبدلت بغداد بعد تلاوة القرآن بالنغمات والألحان وإنشاد الأشعار، وكان وبعد سماع الأحاديث النبوية، يدرس الفلسفة اليونانية، والمناهج الكلامية، والتأويلات القرمطية، وبعد العلماء بالحكماء، وبعد الخليفة العباسي بشر الولاة من الأناسي، وبعد الرياسة والنباهة بالخساسة والسفاهة، وبعد الطلبة المشتغلين بالظلمة والعيارين، وبعد الاشتغال بفنون العلم من التفسير والحديث والفقه وتعبير الرؤيا بالزجل والموشح ودويت ومواليا، وما أصابهم ذلك إلا ببعض ذنوبهم {وما ربك بظلام للعبيد} هذا كلام ابن كثير.