يا أبا سعيد: باعتذارك عن غيرك، يوجب عليك الانتصار لنفسك - والانتصار لنفسك راجع على الجماعة بفضلك.

فقال أبو سعيد: مخالفة الوزير فيما يأمره حجنة، والاحتجان عن رأيه إخلاد إلى التقصير. ونعوذ بالله من زلة القدم، وإياه نسأل عن حسن التوفيق في الحرب والسلم.

ثم واجه متى فقال: حدثني عن المنطق ما تعني به؟ فإنا إذا فهمنا مرادك فيه، كان كلامنا معك في قبول صوابه، ورد خطئه، على سنن مرضي وعلي طريقة معروفة.

قال متى: أعني به أنه آلة من الآلات يعرف به صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه، كالميزان، فإني أعرف به الرجحان من النقصان والشائل من الجانح.

فقال له أبو سعيد: أخطأت لأن صحيح الكلام من سقيمه، يعرف بالعقل إن كنا نبحث بالعقل- هبك عرفت الراجح من الناقص من طريق الوزن من ذلك بمعرفة الموزون؟ أهو حديد، أو ذهب، أو شبة، أو رصاص؟ وأراك بعد معرفة الوزن، فقيرًا إلى معرفة جوهر الموزون، وإلى معرفة قيمته، وسائر صفاته، التي يطول عدها. فعل هذا لم ينفعك الوزن الذي كان عليه اعتمادك، وفي تحقيقه، كان اجتهادك، إلا نفعًا يسيرًا من وجه واحد، وبقيت عليك وجوه، كانت كما قال الأول:

حفظت شيئًا وضاعت منك أشياء

وبعد: فقد ذهب عليك شيء هاهنا، ليس كل ما في الدنيا بوزن، بل منها ما يوزن ومنها ما يكال: وفيها ما يذرع، وفيها ما يمسح، وفيها ما يحزر، وهذا- وإن كان هكذا في الأجسام المرئية -فإنه أيضًا على ذلك في المعقولات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015