حدثني أبي سعيد بلمع من هذه القصة. فأما علي بن عيسى النحوي الشيخ الصالح، فإنه رواها مشروحة.
قال: لما انعقد المجلس سنة عشرين وثلثمائة قال الوزير ابن الفرات للجماعة- وفيهم الخالدي وابن الأخشيد والكندي وابن أبي بشر وابن رباح وابن كعب وأبو عمر وقدامة بن جعفر والزهري وعلي بن عيسى بن الجراح وأبو فراس وابن رشيد وابن عبد العزيز الهاشمي وابن يحيى العلوي ورسول ابن طغج من مصر والمرزباني صاحب بني سامان- أريد أن ينتدب منكم إنسان لمناظرة متى في حديث المنطق فإنه يقول: لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل، والصدق من الكذب، والخير من الشر، والحجة من الشبهة، والشك من اليقين، إلا بما حويناه من المنطق وملكناه من القياس- واستفدناه من واضعه على مراتبه وحدوده وأطلعنا عليه من جهة اسمه على حقائقه فأحجم القوم وأطرقوا.
فقال ابن الفرات: والله إن فيكم لمن يفي بكلامه ومناظرته - وكسر ما يذهب إليه- وإني لأعدكم في العلم بحارًا، وللدين وأهله أنصارًا، وللحق وطلابه منارًا- فما هذا التغامز والتلامز، اللذات تجلون عنهما؟
فرفع أبو سعيد السيرافي رأسه - وقال: أعذر أيها الوزير. فإن العلم المصون في الصدور- غير العلم المعروض في هذا المجلس؟ على الأسماع المصيخة، والعيون المحدقة، والعقول الجامدة- والألباب النافذة- لأن هذا يستصحب الهيبة، والهيبة مكسرة - ويجتلب الحيا - والحيا مغلبة، وليس البراز في معركة غاضة، كالمصراع في بقعة خاصة- فقال ابن الفرات: أنت لها