وإنما كان الأمر كذلك لأن واحدًا من الفريقين لا يعتمد في مقالته أصلًا صحيحًا وإنما هو آراء تتقابل وأوضاع تتكافأ وتتعادل ولو أنصفوا في المحاجة لزم الواحد منهم أن يتنقل عن مذهبه يوم كل كذا وكذا مرة لما يورد عليه من الإلزامات، وتراهم ينقطعون في الحجاج وينتقلون. وهذا على أنه ليس قصدهم طلب الحق، إنما طريقهم إتباع الهوى فحسب. فإذا ألزم قال: هذا إلزام توجه على لا على مذهبي، وسنأتي بعد بالجواب أو يوجد من يفصل عن هذه الشبهة ممن ينتحل ديني ومذهبي، فإذا راعينا مثل هذا لم تقم حجة على كافر أبدًا، وما هذا إلا طريق يوهم جميع الكافرين أنهم على الحق، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.

ومن قبيح ما يلزمهم في اعتقادهم أنا إذا بنينا الحق على ما قالوا وأوجبنا طلب الدين بالطريق الذي ذكروه، وجب من ذلك تكفير العوام بأجمعهم لأنهم لا يعرفون إلا الإتباع المجرد، ولو عرض عليهم طريق المتكلمين في معرفة الله تعالى ما فهمه أكثرهم. فضلًا من أن يصير فيه صاحب استدلال وحجاج ونظر، وإنما غاية توحيدهم التزام ما وجدوا عليه سلفهم وأتمتهم في عقائد الدين. والعض عليها بالنواجذ، والمواظبة على وظائف العبادات وملازمة الأذكار، بقلوب سليمة طاهرة عن الشبهات والشكوك تراهم لمن يحيدون عما اعتقدوه. وإن قطعوا إربًا إربًا، فهنيئًا لهم هذا اليقين، وطوبي لهم هذه السلامة. فإن كفروا هؤلاء الناس فهم السواد الأعظم، وجمهور الأمة، فماذا الاطى بساط الإسلام، وهدم منار الدين وأركان الشريعة. وأعلام الإسلام، والحلق هذه الدار -أعني دار الإسلام- بدار الكفر وجعل أهليهما بمنزلة واحدة، ومتى يوجد في الألوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015