والمغايظات وظللوا من لا يعتقد ذلك من المسلمين، وتسموا بالسنة والجماعة ومن تحيز عنهم، وسموه بالجهل والغباوة، فأجابهم إلى ذلك من لم يكن له قدم في معرفة السنة، ولم يسع في طلبها بما يلحق فيها من المشقة، وطلب لنفسه الدعة والراحة. واقتصر على اسمه دون رسمه لاستعجال الرياسة ومحبة اشتهار الذكر عند العامة، والتلقب بإمام أهل السنة وجعل دأبه: الاستخفاف بنقله الأخبار، وتزهيد الناس أن يتدينوا بالآثار بجهله بطريقها وصعوبة المرام بمعرفة معانيها وتصور فهمه عن مواقع الشريعة منها ورسوم التدين بها. حتى عفت رسوم الشرائع الشريفة، ومعاني الأسانيد القديمة، وفتحت دواوين الأمثال والشبهة، وطويت دلائل الكتاب والسنة.
وانقراض من كان يتدين بحججها، للأخذ بالثقة، وبتمسك بها للضنة، ويصون سمعه عن هذه البدع المحدثة. وثار كل من أراد صاحب مقالة.
ووجد على ذلك الأصحاب والأتباع، وتوهم أنه ذاق حلاوة السنة والجماعة بتفادي بدعته، وكلا، إنه كما ظنه، أو خطر بباله. إذ أهل السنة لا يرغبون عن طرائقهم من الإتباع، وإن نشروا بالمناشير ولا يستوحشون لمخالفة أحد بزخرف قول من غرور أو بضرب أمثال زور.
فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة. ولم يكن لهم قهر ولا ذلك أعظم مما تركهم السلف على تلك الحالة يموتون من الغيظ كمدا ودردًا، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلًا، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقًا، وصاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلًا، حتى كثرت بينهم المشاجرة، وظهرت دعوتهم بالمناظرة وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من