الناقض لمجرى العادات. ومثال ذلك: أن يروي قوم أن حاتم طي وهب لرجل مائة من الإبل. ويروي آخرون أنه وهب لرجل آخر ألفًا من الغنم. وآخرون أنه وهب لآخر عشرة أرؤس من الخيل والرقيق، وما يشبه ذلك، حتى يكثر عدد ما يروى منه، فهو وإن لم يثبت التواتر في كل واحد منها نوعًا نوعًا فقد ثبت التواتر في جنسها، فقد حصل من جملتها العلم الصحيح بأن حاتمًا سخي.
كذلك هذه الأمور فإن لم تثبت أفراد أعيانها تواترًا فقد ثبتت برواية الجم الغفير الذي لا يحصى عددهم، ولا يتوهم التواطؤ في الكذب عليهم أنه جاء بمعنى معجز للبشر خارج عما في قدرتهم، فصح بذلك أمر نبوته، وبالله التوفيق.
فإن قيل: فيجب على هذه المقدمة التي قدمتموها: أن لا يكون الإيمان بالله، ولا معرفة وحدانيته واجبًا على من يعقل قبل أن يبعث إليه رسول، وأن الاختلاف لا يكون بتركته مؤاخذًا عليه معاقبًا، قيل: كذلك نقول: وعليه دل قوله سبحانه {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقوله حكاية عمن استحق العقوبة على ترك الإيمان به وبالبعث {ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى}. فأقام الحجة عليهم ببعثه الرسل. فلو كانت الحجة لازمة بنفس العقل، لم تكن بعثة الرسل شرطًا لوجوب العقوبة.
وقال- صلى الله عليه وسلم- أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فدل على أنه الداعي إلى الإيمان وصح أن الدعوة له والحجة إنما تقوم به.
هذا آخر كلام الخطابي، وكان إمامًا في الفقه واللغة وغيرها. توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.