لها حقيقة فكان أقوى شيء عندهم في الدلالة على إثبات هذه الأمور، ما تعلقوا به من الاستدلال بهذه الأشياء.

فأما مثبتوا النبوات فقد أغناهم الله تعالى عن ذلك وكفاهم كلفة المؤونة في ركوب هذه الطريقة المنعرجة التي لا يؤمن العنت على راكبها، والانقطاع على سالكها، وبيان ما ذهب إليه السلف من أئمة المسلمين في الاستدلال على معرفة الصانع وإثبات توحيده وصفاته، وسائر ما ادعى على أهل الكلام تعذر الوصول إليه إلا من الوجه الذي يذهبون إليه، ومن الطريقة التي يسلكونها ويزعمون أن من لم يتوصل إليه من تلك الوجوه كان مقلدًا غير موحد على الحقيقة، هو أن الله تعالى لما أراد إكرام من هداه لمعرفته بعث رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم- بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا وقال له {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.

وقال- صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع وفي مقامات له شتى وبحضرته عامة أصحابه: ألا هل بلغت؟ وكان الذي أنزل إليه من الوحي وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه لقوله (اليوم اكملت لكم دينكم) فلم يترك- صلى الله عليه وسلم- شيئًا من أمر الدين، قواعده وأصوله وشرائعه وفصوله، إلا بينه وبلغه على كماله وتمامه، ولم يؤخر بيانه عن وقت الحاجة إليه، إذ لا خلاف بين فرق الأمة أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بحال. ومعلوم أن أمر التوحيد وإثبات الصانع لا تزال الحاجة ماسة إليه أبدًا في كل وقت وزمان، ولو أخر عنه البيان، لكان التكليف واقعًا بما لا سبيل للناس إليه، وذلك فاسد غير جائز.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015