ذكاء وذهن، ويوهمه أنه إن رضي في عمله ومذهبه بظاهر من السنة. واقتصر على واضح بيان منها كان أسوة للعامة، وعد واحدًا من الجمهور والكافة، فإنه قد ضل فهمه، واضمحل لفظه وذهنه. فحركهم بذلك على التنطح في النظر والتبدع لمخالفة السنة والأثر ليبينوا بذلك من طبقة الدهماء، ويتميزوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء، فاختدعهم بهذه المحجة حتى استنزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في مشبهات تعلقوا بزخارفها وتاهوا عن حقائقها، فلم يخلصوا منها إلى شفا نفس ولا قبلوها بيقين علم.

ولما رأوا كتاب الله تعالى ينطق بخلاف ما انتحلوه، ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه، ضربوا بعض آياته ببعض، وتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم. ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولسنته المأثورة عنه، وردوها على وجوهها، وأساءوا في نقلتها القالة، ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزندق، ونسبوهم إلى ضعف المنة وسوء المعرفة، لمعاني ما يروونه من الحديث، والجهل بتأويله ولو سلكوا سبيل القصد، ووقعوا عندما انتهى بهم التوقيف. لوجدوا برد التقى وروح القلوب، ولكثرت البركة وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور ولأضاءت فيها مصابيح النور، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

واعلم أدام الله توفيقك أن الأئمة الماضين والسلف المتقدمين لم يتركوا هذا النمط من الكلام وهذا النوع من النظر عجزًا عنه ولا انقطاعًا دونه، وقد كانوا ذوي عقول وافرة، وأفهام ثاقبة. وقد كان وقع في زمانهم هذه الشبه والآراء وهذه النحل والأهواء، وإنما تركوا هذه الطريقة، وأضربوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015