منتحلي السنة إليها واغترارهم بها. أو اعتذارهم في ذلك بأن الكلام وقاية للسنة، وجنة لها يذب ب عنها، ويذاد بسلاحه عن حرمها، وفهمت ما ذكرته من ضيق صدرك بمجالسهم، وتعذر الأمر عليك في مقارقتهم، لأن موقفك بين أن تسلم لهم ما يدعونه من ذلك فتقبله؛ وبين أن تقابلهم على ما يزعمونه فترده وتنكره، وكلا الأمرين يصعب عليك.
أما القبول فلأن الدين يمنعك منه، ودلائل الكتاب والسنة تحول بينك وبينه. وأما الرد والمقابلة، فلأنهم يطالبونك بأدلة العقول. ويؤاخذونك بقوانين الجدل ولا يقنعون منك بظواهر الأمور.
وسألتني أن أمدك بما يحضرنا في نصرة الحق من علم وبيان. وفي رد مقالة هؤلاء القوم من حجة وبرهان، وأن أسألك في ذلك طريقة لا يمكنهم دفعها، ولا يسوغ لهم من جهة العقل جحدها وإنكارها، فرأيت إسعافك به لازمًا في حق الدين .. وواجب النصيحة لجماعة المسلمين، فإن الدين النصيحة.
واعلم أخي أدام الله سعادتك أن هذه الفتنة قد عمت اليوم، وشملت وشاعت في البلاد واستفاضت، فلا يكاد يسلم من رهج غبارها إلا من عصمه الله تعالى. وذلك مصداق قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: ((إن الدين بدأ غريبًا، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء)) فنحن اليوم في ذلك الزمان وبين أهله فلا تنكر ما نشاهده منه. وسلوا الله العافية من البلاء، وأحمده على ما وهب لك من السلامة، وحاطك به من الرعاية وجميل الولاية.
ثم إني تدبرت هذا الشأن، فوجدت عظم السبب فيه أن الشيطان صار اليوم بلطيف حيلته: يسول لكل من أحس من نفسه بزيادة فهم وفضل