وعدت إلى دمشق، فانغمست في الحياة وغصت في حمأتها، أكدّ للعيش وأسعى للكسب، فنسيت صلبي وصُحبته وكدت أنسى الصحراء وأيامها، ومرّت على ذلك الشهور. وكان أمس، فإذا بي ألمح في «باب الجابية» وسط الزحمة الهائلة وجهاً أعرفه، فلحقت به أتبيّنه، فإذا هو وجه صلبي، فصحت به: صلبي!
قال: لا صْلَبي ولا مْلَبي!
قلت: ولِمَ ويحك؟
قال: أنا في طلبك منذ ثلاث ثم لا تأتي إليّ ولا تلقاني؟
فقلت له ضاحكاً: وأي ثلاث وأي أربع؟ أتحسبها تبوك فيها أربعمئة نسمة؟ إنها دمشق يا صلبي، فيها أربعمئة ألف إنسان، فأين تلقاني بين أربعمئة ألف؟
قال: صدقت والله.
قلت: هَلُمَّ معي.
فاستخرجته من هذه الزحمة الهائلة وملت به إلى قهوة خالية، فجلسنا فيها ودعوت له بالقهوة المرة والشاي، فسُرَّ وانطلق يحدثني. قال: لمّا فارقتكم ورجعت وحيداً أسير بجملي في هذه البادية الواسعة، جعلَتْ نفسي تحدثني أنْ لو أجبتَ القوم ورأيت المدينة. فلما كان رمضان مرّ بنا بعض الحضريين فدعوني إلى صحبتهم لأرشدهم الطريق، ثم أغروني كما أغريتموني وحاوروني كما حاورتموني، حتى غلبوني على أمري ودخلوا بي دمشق، فما راعني والله يا ابن أخي إلا سيارة كبيرة كسيارتكم