صغيراً كله، والصغير من كل شيء فاتن محبوب. ومَن منّا لا يحب الصبي والبُنَيّة، وفرخ الطائر والهُرَيرة والكُلَيب، وغُصَين الشجرة وزر الورد، وكل لطيف من التحف والطرف (?) ودقيق من الأشياء؟ من لا تنجذب إلى ذلك نفسه ويحنو عليه قلبه؟
ثم كبرا، فكانا يصحبان القطيع إلى القمم القريبة وإلى الوادي، ثم أبعدا المرعى فكانا يرافقان الشمس في غدوّها ورواحها ويطوّفان تَطوافها. ثم اكتمل جمالها وتمّت رجولته، وكذلك تؤتي الفضيلة أكلها إذا عاشت تحت عين الشمس، في الأعالي التي لا ترقى إليها جراثيم الفساد، فصارا يقاسمان الكبار السمر على «المصطبة» في ليالي الصيف وفي «العلِّيّة» في الشتاء. ومرت الأيام، فإذا هي فاتنة القرية وحسناؤها، وإذا هو بطل الديرة ورجلها، ومقدَّم الشباب في المصارعة وحمل الأثقال والعدو والسباحة، وتلك كانت مفاخر الشباب الجبلي في تلك الأيام، وكان رقصهم الدَّبْكة على «اليادل» أو على «دلعونة»، وكان هو شيخ الدبكة.
وكان الحب قد ولد في نفسيهما، فكانا يجلسان على قلعة على شفير الوادي، يرعيان هذا الحب الوليد ويدعان القطيع يرعى بنفسه، وكان لها عنده مثل الذي له عندها، فما الذي فرق بينهما؟ أهو المال أم الدسائس، أم قد زوجوها من غيره، أم ماذا؟ مَن يحفظ قصتهما يا أهل بيروت؟ وكيف عاشت من بعده، وكيف عاش من بعدها؟