أقاسي آلامها، فلقيني صديق لي فقال: كيف الصحة؟ فظننته يسأل عنها حقيقة، ورحت أشرح له ما بي وأصوّر ما أجد، وتكلمت خمس دقائق، فلما انتهيت سكَتُّ ونظرت إليه أسمع منه، فقال: كيف الصحة؟ إن شاء الله بخير؟
وإذا به لم يسمع من شرحي وبياني شيئاً!
ودليل آخر؛ هو أسلوب التحية في الشام وفي مصر وغيرهما من البلدان، يقول لك مَن تلقاه: كيف أصبحت؟ كيف الأولاد؟ فتجيبه بما تيسر، فيعود فيقول: وكيف أصبحت؟ وكيف الأولاد؟ يعيدها كما تعاد «إزيّك» في مصر و «ايش لونك» في الشام والعراق، سبع عشرة مرة على الأقل، فلا تدري بماذا تجيب!
ومن الكلام الذي لا يُدرى المراد منه سؤال إخواننا الصحفيين كلَّ مَن يلقونه -في كل مناسبة وفي غير مناسبة- عن شعوره عند رؤيته هذا المشهد وانطباعه (وما أدري ما معنى «انطباعه») لذلك الحادث؟ ولو حققت عن مراد السائل من سؤاله وجدت أن السائل لا يعرف حقيقة ما يريده، فضلاً عن أن يعرفه المسؤول.
* * *
ولهجة الكلام وملامح الوجه تقلب المعنى قلباً. تصوروا رجلاً يدخل المأتم الحزين وهو باسم الثغر منطلق الوجه، ويقول بلهجة مرحة: "عظّم الله أجركم، والله تألمنا لمصابكم". أو يدخل الفرح وهو دامع العين ويقول بلهجة باكية: "لكم تهانينا، إننا فرحون لفرحكم"!