صور وخواطر (صفحة 369)

القُمامة؟ أفتبكي الأم لأن ولدها نُزعت عنه مشيمته وألقاها؟

ولو كان في بطن الحامل توأمان اثنان يعيشان فيه معاً وأمكن أن يفكرا لاعتقدا أن البطن هو الدنيا، ولو جاءت ساعة الولادة وسبق واحدٌ منهما، ورآه الثاني يفارقه ويغوص في الأعماق، لظن أنه مات ودُفن في باطن الأحشاء، ولبكى عليه ورثاه! ولو ترك مشيمته وراءه لحزن الباقي لمرآها كما نحزن نحن إذ نرى جسد الميت.

هذا هو مثال الموت: إن الذي اعتقده التوأم موتاً إنما هو ولادة وخروج إلى عالم أرحب وأوسع، عالم لا يقاس به البطن وضيقه وظلامه. وما نراه نحن موتاً إنما هو ولادة وخروج إلى عالم آخر، إذا قسناه بهذه الدنيا رأينا نسبته إليها كنسبة الدنيا إلى بطن الحامل.

هل سافرت مرة من جدة إلى مكة؟ إنك تنظرين فلا ترين من الطريق إلا خطاً قصيراً، ولكن الطريق أطول مما ترين، وما خفي وراءك مما قطعت وما بقي أمامك مما لم تقطعي أكثر مما ظهر. وكذلك طريق الحياة: إننا نرى منه خطاً قصيراً هو هذه الحياة الدنيا التي نعيش فيها، وما خفي عنا أكثر.

الحياة أربع مراحل: مرحلة الحمل في بطن الأم، ومرحلة الدنيا، ومرحلة البرزخ، ومرحلة الآخرة؛ ونسبة كل واحدة لما قبلها كنسبة ما بعدها إليها.

لو أمكن أن نخاطب الجنين في بطن أمه ونسأله: ما هي الدنيا؟ لأجاب أن الدنيا هي هذه الأحشاء المظلمة الضيقة. فلو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015