بلا كلام ثم تَنْسَلّ خارجة بلا وداع، فشيء من أقبح العادات.
إن الكلام ينفّس عن المصاب، فتكلمي. والشغل يلهي عن الحزن، فاعملي. والسفر والانتقال يمنع سيل الذكريات الأليمة، فانتقلي أو فسافري، وإنْ عرض لك البكاء فابكي، لا تخجلي. أما سمعت بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا أرسلت إليه إحدى بناته أنّ ولدها يجود بنفسه، وتسأله الحضور، فأرسل إليها أن اصبري واحتسبي، فأعادت الطلب حتى ذهب، فلما رأى الولد وهو يضطرب اضطراب الموت لم يستطع أن يمسك عنه فبكى صلى الله عليه وسلم.
ابكي، فالبكاء سَلْوَة المحزون، ولكن لا تقولي ما لا يرضاه الله من القول.
* * *
تقولين إن بنتك التي كنت تخافين عليها النسيم أن ينال منها مَسُّ النسيم، وتذبّين عنها الذباب كيلا يؤذيها حَطُّ الذباب، قد وُضعت في التراب وداخلها دود الأرض، وأنك تركتها وحيدة وقد كنت لا تتخلّين لحظة عنها.
فما هذا الكلام يا أيتها المرأة: البنت وُضعت في التراب؟ لا، إن الجسد هو وحده الذي وُضع في التراب ورتع فيه الدود. وما الجسد؟ الجسد قميص، فهل كنت تبكين وتعوّلين إن نزعت قميصَها البنتُ فأُحرق بالنار القميصُ؟
صحيحٌ أنّ الجسد جزء منا، ولكنْ في هذه الدنيا فقط. ألم تكن المشيمة جزءاً من الجنين، ثم إذا وُلد أُلقيت في صندوق