الذي يقع في القلب، وأن من يمتلكه المعنى الذي يكتب فيه هو الذي يمتلك به الذين يقرؤونه، أما الذي ينحت الألفاظ من أعماق القاموس بالمعول ليكوّمها على الورق بالمجرفة، فهو عامل في إصلاح الطرق وليس صائغاً لجواهر الكلام! ولست أدعو إلى العامية، ولا إلى نبذ البلاغة وإهمال القواعد، معاذ الله، ولكنْ أدعو إلى امتلاء النفس بالفكرة قبل تحريك القلم على القرطاس.
والعفو -يا بنتي- إذا انصرفت عن جوابك وتكلمت في الإنشاء، فإنما جاء ذلك استطراداً، والصناعة تميل بطبع الإنسان، والاستطراد من شأن الأديب العربي.
* * *
فهمت من كتابك أنك من مكة، لأنك تقولين إنك لم تعودي تستطيعين دخول الحرم بعد ذهاب الفقيدة. فما هذا الكلام يا بنتي؟ إنْ فقدتِ بنتك فهل فقدت -والعياذ بالله- إيمانك؟
في مثل هذه المواقف، مواقف الحزن واللوعة، يعرف المؤمن قيمة هذه النعمة التي هي الإيمان. الملحد الذي لا يرى إلا هذه الحياة الدنيا يُجَنّ إن مات له عزيز أو ينتحر؛ إنه يتصور أنه كان له ففقده، وكان معه ففارقه إلى الأبد. أما المؤمن فيعلم أن الله هو الذي أعطى وهو الذي أخذ، وأن بعد هذا الفراق لقاء، حيث يلتقي الصالحون في الجنة، فهو يجتهد ليكون من أهل الصلاح ويسأل الله أن يرحم ميّتَه ويجعله من أهل الصلاح، ليكون هذا اللقاء لقاء دائماً سعيداً لا فراق بعده.
هذا هو الفرق بين المؤمن والكافر، فأين إيمانك؟