تلبث أن يأسَنَ ماؤها ويُفسد الأرضَ والجو.
لقد لبثَتْ نصفَ قرن تربي وتعلم، وكانت قوية شابة، ثم نال منها الوَنى وهدّها الكلال، ثم آضَتْ أطلالاً.
إنها كسفينة ترددت آلاف المرات بين الشاطئين؛ تنقل الركاب من شاطئ الطفولة إلى شاطئ الشباب، تقطع بهم لُجّةَ المضيق العميق، فمنهم من يصل ومنهم من تطويه اللجة بمياهها، ثم يتفاوت الواصلون، فمنهم من يبقى على الشاطئ يسير على الطريق المستقيم، أو يلتوي وينحرف، ومنهم من يصعد الجبل فيعلو قليلاً أو كثيراً، ومنهم نفرٌ يبلغ الذروة، ثم يهبط الجميع، سواءٌ منهم من علا ومن انخفض، ويواريهم التراب.
حتى إذا كَلَّتْ السفينة ورَثَّت حبالها وصدئت وتخرّقت وقفت، ثم مالت وغاصت في رمال الشطّ وبقيت مكانها، كأنها هيكلُ حوتٍ كبير فقد الحياة من زمن بعيد.
* * *
إني لأذكر الآن كيف دخلت هذه المدرسة.
لقد كنت في مطلع سنة 1918 تلميذاً في الصف الخامس في مدرسة جمعية الاتحاد والترقي (اتحاد وترقي مكتبي إعدادي سي)، التي كانت تُعرف بين الناس بـ «المدرسة التجارية» لأن التجار هم الذين أنشؤوها بأموالهم، وكانت أكبر ثانوية في البلد، وكان والدي مديرها، وكان يدرّس فيها فحولُ الرجال، وحسبكم أن تعرفوا أن منهم العالم الجليل هاشم بك مدير المعارف، الذي