وبها، فهما «روح في جسدين» (?)، هي هو وهو هي، ينظر بعينيها ويسمع بأذنيها ويجوع ببطنها، فإن أكلت شبع، وإن شربت رويَ، وإن سُرَّت ضحك، وإن تألمت بكى، وإن أصابها الصداع وجعه رأسه ... يطرب وهو بعيد عنها إن سمعت نغماً عذباً، ويبتسم وهو في أعماق منامه إن رأت في منامها حلماً حلواً.
يتبع هواها على القرب والبعد، ويُؤْثر رضاها في الغيبة والحضور، ويطيعها إطاعة لو أن العباد أطاعوا ربهم مثلها لأقفرت من أهلها جهنم! يسهر الليل كله يتقلب على فراش السّهْد من الشوق إليها، والخوف منها، والطمع فيها، ويُعِدّ الكلام الطويل ليقوله لها، فإذا لقيها نسي ما كان أعدّه من هيبتها!
إن تكلم لم ينطق بغير حديثها، وإن سكت لم يفكر إلا فيها، قد جهل كل طريق كان يعرفه إلا طريقها، فما يمشي إلا توجه إليها، يحوّم حولها علّه يرى البيت الذي تسكنه أو ينشق الهواء الذي تنشقه. ينام الناس ويسهر ليله يساير النجوم في مسالكها، ويعد الدقائق في مجراها، لا يرى حيثما نظر غيرها ولا يبصر سواها، يراها بين سطور الكتاب إن نظر في صفحات الكتاب، وفي وجه البدر إن رنا إلى طلعة البدر، وبين النجوم إن قلّب نظره في النجوم ... يراها في كل شيء تفتح عليه العيون، فإن أغمضهما رأى طيفها في ثنايا الأحلام.