القلوب، وهل يكون ذا قلب من لم يلامس قلبَه الحب؟ وأولئك هم أولو الأبصار، وهل تبصر عينٌ جمالَ الوجود إن لم تفتحها يدُ الهوى؟ وأولئك هم المعذَّبون الصابرون. يعيشون فلا يدري بآلامهم أحد، ويموتون فلا يقام لشهيدهم قبر، لا يهدؤون ولا يَهنَؤون؛ إن اشتهى الناس المسَرَّة استمتعوا هم بالآلام، وإن اطمأنّ الناس إلى الحقائق طاروا هم وراء الأوهام، وإن أنِسوا بالضحك استراحوا هم إلى البكاء، يبكون في الفراق من لوعة الاشتياق، ويبكون في الوصال من خوف الفراق، يريدون أن يطفئوا بالدمع حُرقَ القلب، وما يزيدها الدمع إلا شِرّةً وضِراماً. يبكون لأنهم يطلبون ما لا يكون فلا يصلون إليه أبداً.
يترك العاشق النساء جميعاً ويهتم بها وحدها، فهو يريد أن تترك الرجال وتنظر إليه وحده، وأن تدع لأجله الدنيا وما فيها، وتغمض عينيها فلا ترى فيها غيره، وتوصد أذنيها فلا تصغي إلى سواه؛ فهو يغار عليها من القريب والبعيد، ومن أمها ومن أبيها، ومن الشمس أن تبصرها عينُ الشمس، ومن الكأس أن تُقبِّل ثغرَها شفةُ الكأس.
وماذا يريد العاشقون؟ سلوا الشعراء يحلفوا لكم إنهم لا يطلبون إلا نظرة تروي الغليل وبسمة تُطفي الجوى، وأن يندمج بها ويَفنى فيها، فهو يعانقها «والنفس بَعدُ مَشوقةٌ» إليها، ويضمها وهو يحس أنه لا يزال بعيداً عنها. يمضي عمره بعيداً عنها، خالياً قلبه من حبّها، لا يدري بوجودها، ثم يراها مرة واحدة، ينظر إليها نظرة، فيحسب أنه قد عرفها من الأزل وأنه لم يفارقها ساعة! ويقسم أنها ما خُلقت إلا له ولم يُخلق إلا لها، ولا يعيش إلا لها