صور وخواطر (صفحة 296)

الألوان كلها أحمر، وما يشبه لونٌ منها لوناً، وما عندنا لهذه العشرات إلا هذا اللفظ الواحد. ونقول للّحن «رَصْد»، ولكنّ رجفة في صوت المغني أو مَدّة أو غنة تجعل من الرصد مئة رصد، وما عندنا لهذه المئة إلا اللفظ الواحد.

ونقول: قصة «جميلة» ونغمة «جميلة»، ومنظر «جميل» وطفل «جميل»، ما عندنا إلا هذا اللفظ الواحد نكرّره كالببغاوات نعبّر به عن ألف جمال، ما منها جمال يشبه جمالاً. وأين جمال القصة من جمال الوادي، وجمال العمارة من جمال المرأة؟ وجمال المرأة: أهو لون واحد حتى نطلق عليه الوصف الواحد؟ لو حشدت مئة من أجمل الجميلات في مكان لرأيت مئة لون من ألوان الجمال، تشعر بها ولكن لا تملك وصفها.

إن في الأرض اليوم أربعة مليارات من العيون البشرية نصفها في أوجه الأُنثَيات، ونصف النصف تحت حواجب الغيد الفاتنات، وما فيها عينان هما -في شكلهما ووحيهما وأثرهما في النفس- كعينين أُخرَيَين. ثم إن لكل عين حالات مختلفات لا يحصيها العد، ولغات لو كان يدركها البشر لكان لكل عين قاموس يترجم عنها كالقاموس المحيط! وما عندنا لهذا كله إلا هذا اللفظ الواحد: جميل، جميل، جميل ... نكرّره ونعيده.

وكذلك الحب. الحب عالم من العواطف، ودنيا من الشعور فيها كل عجيب وغريب، وليس لنا إليه إلا هذه الكوّة الضيقة، الكلمة القصيرة ذات الحرفين: الحاء والباء. الحاء التي تمثل الحنان، والباء التي تجعل الفم وهو ينطق بها كأنه متهيئ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015