قلت: هذا اسمي أنا، فكيف -ويحك- تنتحل اسمي، وما أنت أنا، لا يدك هذه يدي، ولا جسدك جسدي، ولا رأيك في الحياة رأيي؟!
ونظرت يا أيها القراء، فإذا أنا أرى أمامي عشرات من الناس مختلفين جسماً وعقلاً؛ طفلاً وليداً، ودارجاً فَطيماً، وصبياً ناشئاً، ويافعاً مراهقاً، وفتى مجتمعاً، وشاباً مكتهلاً، كلهم يزعم أنه علي الطنطاوي!
وسمعت قائلاً يقول لي: لا تعجب، فأنت أبداً في انتقال، في دورة موت وحياة؛ كلَّ يوم يموت فيك شخص ويولد شخص، كالشجرة تطرح أبداً من قشورها وتصنع لنفسها غيرها، أو كالنهر. تأمّل النهر تَرَ في كل لحظة قطرة تذهب وقطرة تجيء، والنهر هو النهر، ولولا هذا الجريان المستمر لكان بركة مستطيلة فيها ماء آسن. ما كان النهر نهراً إلا لأنه يجري ويتبدل، وما كان الإنسان إنساناً حياً إلا لأنه يتغير ويتحول.
وتصور الإنسان الذي كان في جلدك من عشرين سنة، هل فيك ذرة من جسده أو نقطة من دمه؟ ألا تحب ما كان يكره، وتحْقِر ما كان يقدس، وتزهد فيما كان يحرص عليه؟ وانظر لنفسك: أما يتبدل المخلوق الذي يحمل اسمك بين ساعة وساعة؟ بين ساعة الرضا وساعة الغضب، وحين يملأ قلبَه الإيمانُ وحين تشتعل أعصابه بالشهوة؟ أما يكون مرة نمراً كاسراً، ومرة شيطاناً مَريداً، ومرة مَلَكاً نورانياً؟
وولى عني وتركني أفكر: كيف كان هذا الغلام يوماً أنا،