عفاف تلميذته، أو طبيباً يسطو على عِرض مريضته أو ممرضته، أو محامياً يأخذ أجرة الوكالة من جمال موكِّلته، وامرأة تخون زوجها، وزوجاً يخالف إلى غير امرأته، وكلٌّ يكذب بقوله وعمله ويُظهر غير حقيقته، والكبير يأكل الصغير كما تأكل الحيتان السمك ويتربّص به ليلدغه كما تلدغ الحية ... فأين الإنسان الذي نؤمن به يا أخي؟ إني لأقوم على الطريق فأنظر فلا أكاد أرى إلا ذئباً يلبس الثياب ثم يسطو كما تسطو الذئاب، أو ثعلباً يحتال مثل الثعالب، أو ثعباناً ناعم الملمس ناقع السم، أو ضفدعاً لها صوت الثور ولكن لا تجرّ المحراث، أو ضَبُعاً تأكل أجساد الموتى، أو جرثومة فتّاكة تفسد في الخفاء، فأقول: سامح الله عبدَ المنعم! أهؤلاء هم البشر الذين يؤمن بهم؟!
وأنقل البصر إلى ديار المتمدنين، فلا أرى مدنيّتهم إلا أظافر من حديد ومخالب من فولاذ كأظافر الوحش ومخالبه، ولكن الوحش يفترس ليعيش هو، وهؤلاء يحاربون لئلا يعيش غيرهم! ووجدتهم استخدموا قوى الطبيعة ولكن للشر، واستعملوا عقولهم ولكن في الضلال. وهذه طبيعة الإنسان، فلا تقل إن كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو يمجّسانه، فإن هذا حجة لي، لأن أبوَي المولود من البشر، فإذا كانا يُفسدان الفطرةَ فلأن الإفساد من عمل الإنسان. ما عرفنا حيواناً يُفسد فطرة الله في وليده، لا سبعاً ولا قطاً ولا دودة ولا طائراً! أوَليست نفس الإنسان يا أستاذ أمّارةً بالسوء؟ أليست أخت الشيطان: تُصَفَّد الشياطين بالأغلال في رمضان فتخلفها نفوس بني آدم، فتعمل عملها وتفسد فسادها وتوسوس وسواسها: {فَوَسْوَسَ إليه