منعهم القدر من الاستمتاع بهتاف الجماهير وتصفيق البرلمانات، ومنعهم من المغامرة وركوب الأهوال، وازدراء المصاعب واحتقار العقبات، ومنعهم من نَثْر الخيرات على بلادهم وقراءة تاريخهم في عيون الشعب.
ولكن القدر لم يمنعهم مزاياهم وحدها وفضائلهم، بل منعهم رذائلهم أيضاً وجرائمهم، فلم يرتقوا العرش على الجماجم، ولم يسدّوا أبواب الرحمة على البشر، ولم يُخفوا حُمْرة العار والخجل، ولم يُخفتوا صوت الضمير، ولم يعطّروا معابد ترفهم واستكبارهم بالبخور الذي تحرقه شياطين الشعر.
* * *
لقد اتّبعوا طريقهم السَّوِيّ في وادي الحياة المنعزل البارد وساروا فيه صامتين؛ لم تتعلم أمانيُّهم القريبة وشهواتهم البريئة الخروجَ بهم عن صفوف الشعب المناضل على الحياة، المزاحم على البقاء.
ولكنهم -مع ذلك- لم تَخْلُ قبورهم من أثر للذكرى ضئيل: شعر أخرق ونقش مَحْطوم، يستجدي المارة آهةَ العطف وهمسة التقدير، ويحفظ عظامهم من أن تُهان.
إن هذا الشِّعر، شعر الأمية الساذجة الذي نطق بأسمائهم وأعمارهم، يقوم مقام التعظيم والتبجيل والرثاء، وينشر بين القبور نصوصاً مقدسة تعلم المربين والمعلمين كيف يصمتون ويتعلمون.
* * *