قال الشيخ ابن الهمام: "أما تقدير إحدى وعشرين فرسخاً أو ثمانية أو خمسة عشر فهي على اعتقاد مسيرة ثلاثة أيام ولا يصح هذه التقديرات بل العبرة بثلاثة أيام"1 وقال الكاساني: "ومن مشائخنا من قدر بخمسة عشر فرسخاً. وجعل لكل يوم خمس فراسخ ومنهم من قدر بثلاثة مراحل"2.
يقال إن في هذا لبياناً لأكثر من مدة المسح وليس فيه ما يدل على أن المسافر لا يكون مسافرا إلا بعد ثلاثة أيام.
5- وذهب الإمام البخاري: إلى أن مسافة القصر مسيرة يوم وليلة. هكذا بوب في صحيحه إلا أته ذكر تحت الباب حديثين أحدهما حديث ابن عمر ولفظه: "لا تسافر المرأة ثلاثا إلا مع ذي محرم"3.
والحديث الثاني حديث أبي هريرة ولفظه "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة".وهو موافق لترجمة الباب.
قال الحافظ: إن البخاري اختار أن أقل مسافة القصر يوم وليلة4.
وأما هذه الأقوال المتعارضة المختلفة نحا المحققون إلى بيان الراجح بعدة وجوهات. منها ما قاله الشيخ الكاساني الحنفي: "ولنا ماروينا من الحديثين. ولأن وجوب الإكمال كان ثابتا بدليل مقطوع به فلا يجوز رفعه إلا بمثل. وما دون الثلاث مختلف فيه. والثلاث مجمع عليه. فلا يجوز رفعه بما دون الثلاث"5.
وقال الخرقي: "ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة. لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة. ولا حجة فيها مع الاختلاف. وقد روي عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكره بوجهين:
أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها. ولظاهر القران، لأن ظاهره اباحة القصر لمن ضرب في الأرض لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} ولقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية، فتبقى ظاهر تلاية متناولا كل ضرب الأرض.