عالم الإسلام عبر خطوطه الخلفية في إفريقيا وآسيا، والتي كانت بمثابة حركة الاستعمار القديم التي ابتلي بها العالم الإسلامي فيما بعد، والتي استمرت حتى العقود التي أعقبت سقوط الخلافة العثمانية، كان المماليك في مصر والشام قد بلغوا مرحلة الإعياء، وكان اكتشاف الطريق البحري الجديد حول رأس الرجاء الصالح قد وجّه لتجارتهم - التي هي بمثابة العمود الفقري لمقدرتهم المادية - ضربة قاصمة، أما العثمانيون فكان جهدهم منصباً على اختراق أوروبا من الشرق، ولم تكن لديهم الجسور الجغرافية التي تمكنهم من وقف محاولة الالتفاف تلك في بداياتها الأولى، ولكنهم ما لبثوا بعد عدة عقود أن تحركوا لمجابهة الموقف، الموقفن ومع ذلك فقد دافعت الشعوب والقيادات الإسلامية المحلية في المناطق التي ابتليت بالغزو دفاعاً مستميتاً، وضربت مثلاً صلباً في مقاومتها المتطاولة للعدوان، وألحقت بالغزاة خسائر فادحة على طول الجهات والمواقع الساحلية التي سعى هؤلاء إلى أن يجدوا فيها موطئ قدم (?)،
وقد استطاع العثمانيون إنقاذ العالم الإسلامي من الغزو البرتغالي الإسباني الذي استهدف خنق التجارة الإسلامية، وحين حاولوا السيطرة على ساحل المغرب الإسلامي للإغارة عليه وضربهن سارع العثمانيون بالسيطرة على المغرب كله ماعدا مراكش واستطاعوا مواجهة الإسبان في حوض المتوسط وجزائره وسواحله، وأدالوا منهم، وبذلك استطاعت القوة البحرية العثمانية أن تحفظ شاطئ البحر المتوسط للإسلام والمسلمين، واستطاع العثمانيون أن يسيطروا على ساحل شرق إفريقيا وشمال المحيط الهندي في مطلع القرن الثامن عشر فأرهب ذلك الأوربيين، واستطاع أحمد بن سعيد 1740م أن يقف في وجههم في عمان حيث فقد البرتغاليون الأمل في استرداد هذه المنطقة، وقد كانت عمان بعد سقوط الأندلس أكبر قوة عربية ودامت نهضتها من عام 1000هـ إلى 1250هـ وقد استولت على ثغور البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج، فإفريقيا الشرقية إلى رأس الرجاء الصالح، وفي بضعة أجيال صار أهل عمان سادة هذه البحار العظمى الثلاثة وصار لهم أسطول ضخم هاجم الأسطول البرتغالي وأجلاه عن جميع الثغور الهندية والفارسية والإفريقية .. ولم يصبر الإنجليز على هذه الدولة البحرية التي كانت تهددهم في أملاكهم في آسيا وإفريقيا، فعملوا على مدى ثمانين عاماً على إضعافها والقضاء عليها وضرب الأسطول البريطاني مدنها بالقنابل (?).
خامساً: الاستعمار: وجاءت الموجه الأوروبية المضادة التالية على يد القوات الاستعمارية التي دفعتها الثورة الصناعية إلى البحث عن مجالاتها الحيوية في القارات القديمة لتعريف بضائعها والحصول