إلى إطلاق الموجة الصليبية العاتبة من عقالها في هذه الفترة (?)، وقد تصالح المؤرخون على إطلاق الحروب الصليبية على الحركة الاستعمارية الصليبية التي ولدت في غرب أوروبا واتخذت شكل هجوم مسلح على بلاد المسلمين في الشام والعراق والأناضول، ومصر وتونس لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين والقضاء عليهم واسترجاع بيت المقدس وجذور هذه الحركة نابع من الأوضاع الدينية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية التي سرت في غرب أوروبا في القرن الحادي عشر، واتخذت من الدين وقوداً لتحقيق أهدافها (?)، فالغزو الصليبي ليس أمراً جديداً ولا ظاهرة غريبة أو استثنائية وإنما هو القاعدة وغيره الاستثناء (?)، ولذلك نقول: إن التحديد الزمني للحركة الصليبية بين سنتي 588هـ - 690هـ هو تحديد خاطئ كما يقول الأستاذ الدكتور سعيد عاشور: لا يقوم على أساس سليم ولا يعتمد على دراسة الحركة الصليبية دراسة شاملة، وإنما يكتفي بعلاج مبتور يشمل جزءاً من تلك الحركة ولا يعبر عن جذورها وأصولها من ناحية، ولا عن ذيولها وبقاياها من ناحية أخرى (?)
لقد كانت المقاومة الإسلامية لهذا الغزو تعبيراً فذا عن استمرار تيار العقيدة في نفوس المسلمين، على مستوى القمة حينا، وعلى مستوى القواعد معظم الأحيان، لقد صنعت الحقبة مجاهدين على درجة كبيرة من الفاعلية والقدرة، وقد انتشر هؤلاء المجاهدين في كل الجبهات وقاموا بمقاومة الغزاة في كل الفترات، وعلى مدى قرنين من الزمن لم يتخلوا عن المقاومة ولم يستكينوا أو يضعوا السلاح، كانوا على استعداد في كل لحظة لركوب خيولهم والإنطلاق سراعاً إلى الأهداف، والجهاد لا تضعه النظريات والأماني، والمجاهد لا يتحرك في الفراغ، ولكنها التحديات التاريخية الكبيرة هي التي تضع الجهاد وتبعث المجاهدين، وتنفخ في المقاتل المسلم روح البطولة والتضحية والاستشهاد (?).
رابعاً: حركة التفاف الصليبيين: مالبثت أوروبا بعد سحق الوجود الإسلامي في إسبانيا أن بدأت بقيادة إسبانيا والبرتغال، ومن بعدهما بريطانيا وهولندا وفرنسا، عملية الالتفاف التاريخية المعروفة على