لا والله! بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم، فقال الأمير: لقد سمعت به، فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر، ولم يخلف لعياله شيئا، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا، فقال الأمير: ونحن قد ثقلنا عليهم اليوم، وليس من المروءة أن يثقل مثلنا علي مثلهم، ثم حل الأمير منطقته من وسطه ورمي بها في الدار، ثم قال لأصحابه: من أحبني، فليلق منطقته، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم، ثم انصرفوا، فقال الوزير: السلام عليكم أهل البيت .. لأتينكم الساعة بثمن هذه المناطق، فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير، ودفع إليهم ثمن المناطق، مالا جزيلا واستردها منهم .. فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديدا. فقالوا لها: ما هذا البكاء؟ إنما يجب أن تفرحي، فإن الله قد وسع علينا، فقالت: يا أم، والله إنما بكائي، كيف بتنا البارحة جياعا، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة فأغنانا بعد فقرنا؟ فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلي أحد طرفة عين .. اللهم انظر إلي أبينا، ودبره بأحسن تدبير. ولما خرج حاتم، مرض أمير الركب .. فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا، فقالوا: هل من عبد صالح؟ فدل علي حاتم، فلما دخل عليه وكلمه دعا له، فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب، وما يأكل، وما يشرب، فنام تلك الليلة ففكر في أمر عياله، فقيل له: يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه، ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء علي الله تعالى .. فلما قضي حجه ورجع تلقته أولاده، فعانق الصبية الصغيرة، وبكى، ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين .. إن الله لا ينظر إلي أكابركم ولكن ينظر إلي أعرفكم به. (?)