اللغَة: {الحكيم} المحكم الذي لا خلل فيه ولا تناقض {يُوقِنُونَ} اليقين: التصديق الجازم {لَهْوَ الحديث} الباطل الملهي عن الخير والعبادة {وَقْراً} ثِقلاً وصمماً يمنع من السماع {عَمَدٍ} جمع عِماد وهو الدعامة التي يرتكز عليها الشيء {رَوَاسِيَ} جبالاً وثوابت، ورست السفينة: إِذا ثبتت واستقرت {تَمِيدَ} تتحرك وتضطرب {وَبَثَّ} نشر وفرَّق.
سَبَبُ النّزول: روي أن «النضر بن الحارث» كان يشتري المغنِّيات، فلا يظفر بأحدٍ يريد الإِسلام إِلا انطلق به إِلى قينته «المغنية» فيقول لها: أطعميه، واسقيه الخمر، وغنّيه، ويقول: هذا خيرٌ مما يدعوك إِليه محمد، من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه فأنزل الله {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله. .} الآية.
التفسِير: {الم} الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن، وللإِشارة إِلى أن هذا الكتاب المعجز الذي أفحم العلماء والأدباء والفصحاء والبلغاء منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية «ألف، لام، ميم» وهي في متناول أيدي الناطقين بالعربية، وهم عاجزون ان يؤلفوا منها كتاباً مثل هذا الكتاببعد التحدي والإِفحام، وهذا من أظهر الدلائل وأوضح البراهين على أنه تنزيل الحكيم العليم {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب} أي هذه آيات الكتاب البديع، الذي فاق كل كتاب في بيانه، وتشريعه، وأحكامه {الحكيم} أي ذي الحكمة الفائقة، والعجائب الرائقة، الناطق بالحكمة والبيان، والإِشارة بالبعيد عن القريب «تلك» للإِيذان ببعد منزلته في الفضل والشرف {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ} أي هداية ورحمة للمحسنين الذين أحسنوا العمل في الدنيا، وإِنما خُصوا بالذكر لأنهم هم المنتفعون بما فيه، ثم وضح تعالى صفاتهم فقال {الذين يُقِيمُونَ الصلاة} أي يؤدونها على الوجه الأكمل بأركانها وخشوعها وآدابها {وَيُؤْتُونَ الزكاة} أي يدفعونها إلى مستحقيها طيبةً بها نفوسهم ابتغاء مرضاة الله {وَهُمْ بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} أي يصدّقون بالدار الآخرة ويعتقدون بها اعتقاداً جازماً لا يخالطه شك ولا ارتياب، وكرَّر الضمير «هم» للتأكيد وإِفادة الحصر {أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات الجليلة على نور وبصيرة، ومنهج واضح سديد، من الله العزيز الحميد {وأولئك هُمُ المفلحون} أي هم الفائزون السعداء في الدنيا والآخرة قال أبو حيان: وكرر الإِشارة {وأولئك} تنبيهاً على عظم قدرهم وفضلهم، ولما ذكر تعالى حال السعداء، الذين أهتدوا بكتاب الله وانتفعوا بسماعه، عطف عليهم بذكر حال الأشقياء، الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله،