أي ففي ذلك اليوم لا ينفع الظالمين اعتذارهم {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة أو طاعة، لأنه قد ذهب أوان التوبة {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} أي ولقد بينا في هذا القرآن العظيم ما يحتاج الناس إِليه من المواعظ والأمثال والأخبار والعبر مما يوضّح الحقَّ ويزيل اللبس {وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ} أي ووالله لئن جئتهم يا محمد بما اقترحوا من الآيات كالعصا والناقة واليد ليقولنَّ المشركون من قومك لفرط عنادهم ما أنت وأصحابك إِلا قوم مبطلون، تُدجلون علينا وتكذبون {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} أي مثل ذلك الطبع على قلوب الجهلة المجرمين، يختم الله على قلوب الكفرة الذين لا يعلمون توحيد الله ولا صفاته {فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي فاصبر يا محمد على تكذيبهم وأذاهم فإِن وعد الله بنصرتك وإِظهار دينك حقٌ لا بدَّ من إِنجازه {وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ} أي لا يحملنك على الخفة والقلق جزعاً مما يقوله أولئك الضالون الشاكون، ولا تترك الصبر بسبب تكذيبهم وإٍيذائهم.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1 - الطباق بين {البر. . والبحر} .
2 - المجاز المرسل بإطلاق الجزء وإرادة الكل {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس} .
3 - جناس الاشتقاق {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القيم} .
4 - الاستعارة اللطيفة {فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} شبَّه من قدَّم الأعمال الصالحة بمن يمهد فراشه ويوطئه للنوم عليه لئلا يصيبه في مضجعه ما يؤذيه وينغص عليه مرقده.
5 - أسلوب الإِطناب {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ. .} الآية وذلك لتعداد النعم الكثيرة وكان يكفي أن يقول: {لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} ولكنه أسهب تذكيراً للعباد بالنعم.
6 - جناس الاشتقاق {أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً} .
7 - الإِيجاز بالحذف {فَجَآءُوهُم بالبينات فانتقمنا} حذف منه فكذبوهم واستهزءوا بهم.
8 - الاستعارة التصريحية {فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} شبه الكفار بالموتى وبالصم في عدم إِحساسهم وسماعهم للمواعظ والبراهين بطريق الاستعارة التصريحية.
9 - الطباق بين {ضَعْفٍ. . قُوَّةً} .
10 - صيغة المبالغة {العليم القدير} لأن معناه المبالغ في العلم والقدرة.
11 - الجناس التام {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ} المراد بالساعة أولاً القيامة وبالثانية المدة الزمنية فبينهما جناس كامل، وهذا من المحسنات البديعية.
تنبيه: الصحيح أن الميت يسمع لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «ما أنتم منهم» وقوله «وإِن الميت ليسمع قرع نعالهم» وأما قوله تعالى {فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} المراد منه سماع التدبير والاتعاظ، والله أعلم.