البلاد فانظروا إلى مساكن الذين ظلموا كيف كان آخر أمرهم وعاقبة تكذيبهم للرسل، ألم يخرب الله ديارهم ويجعلهم عبرةً لمن يعتبر {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ} أي كانوا كافرين بالله فأُهلكوا {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القيم} أي فتوجَّه بكليتك إلى الدين المستقيم دين الإِسلام، واستقم عليه في حياتك قال القرطبي: أي أقم قصدك واجعلْ جهتك اتباع الدين القيم يعني الإِسلام {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} أي من قبل أن يأتي ذلك اليوم الرهيب، الذي لا يقدر أحدٌ على ردِّه، لأن الله قضى به وهو يوم القيامة {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} أي يومئذٍ يتفرقون، فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي من كفر بالله فعليه أوزار كفره مع خلوده في النار المؤبدة {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} أي ومن فعل خيراً وأطاع الله فلأنفسهم في الآخرة فراشاً ومسكناً وقراراً بالعمل الصالح، ومهَّدت الفراش أي بسطته ووطأته {لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِن فَضْلِهِ} أي يمهدون لأنفسهم ليجزيهم الله من فضله الذي وعد به عباده المتقين {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الكافرين} أي لا يحب الكافرين بل يمقتهم ويبغضهم، يجازي المؤمنين بفضله، والكافرين بعدله {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ} أي ومن آياته الدالة على كمال قدرته أن يرسل الرياح تسوق السحاب مبشرة بنزول المطر والإِنبات والرزق {وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ} أي ولينزل عليكم من رحمته الغيث الذي يجيي به البلاد والعباد {وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ} أي ولتسير السفن في البحر عند هبوب الرياح بإِذنه وإِرادته {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} أي ولتطلبوا الرزق بالتجارة في البحر {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي ولتشكروا نعم الله الجليلة عليكم {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ} تسلية للرسول وتأنيس له بقرب النصر أي ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلاً كثيرين إِلى قومهم المكذبين كما أرسلناك رسولاً إلى قومك {فَجَآءُوهُم بالبينات} أي جاؤوهم بالمعجزات الواضحات والحجج الساطعات الدالة على صدقهم {فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ} أي فكذبوهم فانتقمنا من الكفرة المجرمين {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} أي كان حقاً واجباً علينا أن ننصر المؤمنين على الكافرين، والآية اعتراضية جاءت بين الآيات المفصّلة لأحكام الرياح تسليةً للنبي عليه السلام قال أبو حيان: والآية اعتراضٌ بين قوله {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ} وبين قوله {الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً} جاءت تأنيساً للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتسلية له، ووعداً له بالنصر، ووعيداً لأهل الكفر ثم ذكر تعالى الحكمة من هبوب الرياح وهي إِثارة السحب وإِخراج الماء منه فقال {الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً} أي يبعث الرياح فتحرك السحاب وتسوقه أمامها {فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ} أي فينشره في أعالي الجو كيف يشاء خفيفاً أو كثيفاً، مطبقاً أو غير مطبق {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} أي ويجعله أحياناً قطعاً متفرقة {فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} أي فترى المطر يخرج من بين السحاب {فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أي فإِذا أنزل ذلك الغيث على من يشاء من خلقه إِذا هم يسرون ويفرحون بالمطر {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} أي وإِن كانوا قبل نزول المطر عليهم