صفوه التفاسير (صفحة 895)

ابدءوا بإِلقاء ما تريدون فأنا لا أخشاكم، قاله ثقةً بنصرة الله له وتوسلاً لإِظهار الحقِّ {فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} أي فألقوا ما بأيديهم من الحبال والعصي وقالوا عند الإِلقاء نقسم بعظمة فرعون وسلطانه إنّا الغالبون لموسى {فألقى موسى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} أي فألقى موسى العصى فانقلبت حية عظيمة فإِذا هي تبتلع وتزدرد الحبال والعصيّ التي اختلقوها باسم السحر حيث خيلوها للناس حياتٍ تسعى، وسمّى تلك الأشياء إفكاً مبالغةً {فَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} أي سجدوا للهِ رب العالمين، بعدما شاهدوا البرهان الساطع، والمعجزة الباهرة {قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ} أي وقالوا عند سجودهم آمنا بالله العزيز الكبير الذي يدعونا إليه موسى وهارون قال الطبري: لما تبيّن للسحرة أن الذي جاءهم موسى حقٌّ لا سحر، وأنه مما لا يقدر عليه غيرُ الله الذي فطر السماوات والأرض، خرّوا لوجوههم سجداً لله مذعنين له بالطاعة قائلين: آمنا برب العالمين الذي دعانا موسى لعبادته، دون فرعون وملئه {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} أي قال فرعون للسحرة: آمنتم لموسى قبل أن تستأذنوني؟ {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر} أي إنه رئيسكم الذي تعلمتم منه السحر وتواطأتم معه ليظهر أمره، أراد فرعون بهذا الكلام التلبيس على قومه لئلا يعتقدوا أن السحرة آمنوا عن بصيرة وظهور حق قال ابن كثير: وهذه مكابرة يعلم كل أحدٍ بطلانها، فإِنهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم، فكيف يكون كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر؟ هذا لا يقوله عاقل، ثم توعَّدهم بقوله {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي سوف تعلمون عند عقابي وبال ما صنعتم من الإِيمان به {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} أي لأقطعنَّ يد كل واحد منكم اليمنى ورجله اليسرى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} أي ولأصلبنَّ كل واحد منكم على جذع شجرة واتركه حتى الموت {قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} أي لا ضرر علينا في وقوع ما أوعدتنا به، ولا نبالي به لأننا نرجع إلى ربنا مؤملين غفرانه {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ} أي إنا نرجو أن يغفر لنا الله ذنوبنا التي سلفت منا قبل إيماننا به فلا يعاقبنا بها {أَن كُنَّآ أَوَّلَ المؤمنين} أي بسبب أن بادرنا قومنا إلى الإِيمان وكنا أول من آمن بموسى.

البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي: 1 - الكناية اللطيفة {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} كنّى به عن الذل والهوان الذي يلحقهم بعد العز والكبرياء. 2 - الوعيد والتهديد {فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . 3 - التوبيخ {أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرض} الاستفهام للتوبيخ على تركهم النظر بعين الاعتبار. 4 - المقابلة اللطيفة بين {وَيَضِيقُ صَدْرِي} {وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي} . 5 - جناس الاشتقاق {رَسُولُ. . أَرْسِلْ} . 6 - الجناس الناقص {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ} فقد اتفقت الحروف بين (فعلتَ وبين فعْلة) واختلف الشكل فأصبح جناساً غير تام. 7 -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015