صفوه التفاسير (صفحة 854)

والبهتان {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أي لهم على نالهم من الأذى مغفرة لذنوبهم، ورزقٌ كريم في جنات النعيم قال ابن كثير: وفيه وعدٌ بأن تكون زوجة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الجنة {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} لما حذَّر تعالى من قذف المحصنات وشدد العقاب فيه، وكان طريق هذا الاتهام مخالطة الرجال للنساء، ودخولهم عليهم في أوقات الخلوات أرشد تعالى إلى الآداب الشرعية في دخول البيوت فأمر الاستئذان قبل الدخول وبالتسليم بعده {حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا} أي لا تدخلوا بيوت الغير حتى تستأذنوا وتسلموا على أهل المنزل {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} أي ذلك الاستئذان والتسليم خير لكم من الدخول بغتة {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي لتتعظوا وتعملوا بموجب هذه الآداب الرشيدة قال القرطبي: المعنى إن الاستئذان والتسليم خير لكم من الهجوم بغي إذن ومن الدخول على الناس بغتة أو من تحية الجاهلية فقد كان الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته قال: حُيّيتم صباحاً، وحُييتم مساءً ودخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحافٍ، وروي أرجلاً قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أأستأذن على أمي؟ قال نعم، قال ليس لها خادمٌ غيري، أأستأذن عليه ما كلما دخلتُ؟ قال: أتحب أن تراها عريانه؟ قال لا، قال فاستأذن عليها {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً} أي فإن لم تجدوا في البيوت أحداً يأذن لكم بالجخول إليها {فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى يُؤْذَنَ لَكُمْ} أي فاصبروا ولا تدخوها حتى يسمح لكم بالدخول، لأن للبيوت حرمة ولا يحل جخولها إلا بإذن أصحابها {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا} أي وإن لم يؤذن لكم وطلب منكم الرجوع فارجعوا ولا تلحًّوا {هُوَ أزكى لَكُمْ} أي الرجوع أطهر وأكرم لنفوسكم وهو خير لكم من اللجاج والانتظار على الأبواب {والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} أي هو تعالى عالم بالخفايا والنوايا وبجميع أعمالكم فيجازيكم عليها قال القرطبي: وفيه توعدٌ لأهل التجسس على البيوت، ثم إنه تعالى لما ذكر حكم الدور المسكونة ذكر بعده حكم الدور غير المسكونة فقال {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} أي ليس عليكم إثمٌ وحرج {أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} أي أن تدخلوا بغير استئذان بيوتاً لا تختص بسكنى أحد كالرباطات والفنادق والخانات قال مجاهد: هي الفنادق التي في طرق السابلة لا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل {فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} أي فيها منفعة لكم أو حاجة من الحاجات كالاستظلال من الحر، وإيواء الأمتعة والرحال {والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} أي يعلم ما تظهرون وما تُسرون في نفوسكم فيجازيكم عليه قال ابو السعود: وهذا وعيدٌ لمن يدخل مدخلاً لفسادٍ أو اطلاع على عورات، ثم أرشد تعالى إلى الآجاب الرفيعة من غض البصر، وحفظ الفروج فقال {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} أي قل يا محمد لأتباعك المؤمنين يكفوا أبصارهم عن النظر إلى الأجنبيات من غير المحارم، فإن النظرة تزرع في القلب الشهوة، ورُبَّ شهوة أورثت حزناً طويلاً

كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر

{وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} أي يصونوا فروجهم عن الزنى عن الإِبداء والكشف {ذلك أزكى لَهُمْ} أي ذلك الغضُّ والحفظ أطهرُ للقلوب، وأتقى للدين، وأحفظ من الوقوع في الفجور {إِنَّ الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015