صفوه التفاسير (صفحة 853)

وضمائركم {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة} أي لا يحلف أهل الفضل في الدين وأصحاب الغنى واليسار {أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله} أي أن لا يؤتوا أقاربهم من الفقراء والمهاجرين ما كا نوا يعطونهم إيَّاه من الإِحسان لذنب فعلوه {وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا} أي وليعفوا عمّا كان منهم من جرم، وليصفحوا عما بدر منهم من إساءة، وليعودوا إلى ما كانوا عليه من الإِنعام والإِحسان {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} أي ألا تحبون أيها المؤمنون أن يغفر الله لكم على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم؟ روي أن أبا بكر لما سمع الآية قال: بلى أحب أن يغفر الله لي وأعاد النفقة إلى مسطح وكفَّر عن يمينه وقال: والله لا أنزعها منه أبداً!! قال المفسرون: والآية دالة على فضل أبي بكر فإن الله تعالى امتدحه بقوله {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل} وكفى به دليلاً على فضل الصدّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي مبالغ في المغفرة والرحمة مع كمال قدرته على العقاب، ثم توعَّد تعالى الذين يرمون العفائف الطاهرات فقال {إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات} أي يقذفون بالزنى العفيفات، السليمات الصدور، النقيات القلوب عن كل سوء وفاحشة {المؤمنات} أي المتصفاب بالإيمان مع طهارة القلب {لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة} أي طردوا وأُبعدوا من رحمة الله في الدنيا والآخرة قال ابن عباس: هذا اللعن فيمن قذف زوجات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذْ ليس له توبة، ومن قذف مؤمنة جعل الله له توبه وقال أبو حمزة: نزلت في مشركي مكة، كانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفوها وقالوا خرجت لتفجر {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي ولهم مع اللعنة عذاب هائل لا يكاد يوصف بسبب ما ارتكبوا من إثم وجريمة {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي وذلك العذاب الشديد في ذلك اليوم الرهيب - يوم القيامة - حين تشهد على الإِنسان جوارحه فتنطق الألسنة والأيدي والأرجل بما اقترف من سيء الأعمال {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق} أي يوم القيامة ينالهم حسابهم وجزاؤهم العادل من أحكم الحاكمين {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} أي ويعلمون حينئذٍ أن الله هو العادل الذي لا يظلم أحداً، الظاهر عدله في تشريعه وحكمه.

. ثم ذكر تعالى بالدليل القاطع، والبرهان الساطع براءة عائشة ونزاهتها، فهي زوجة رسول الله الطيب الطاهر وقد جرت سنة الله أن يسوق الجنس إلى جنسه، فلو لم تكن عائشة طيبة لما كانت زوجة لأفضل الخلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهذا قال {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ والخبيثون لِلْخَبِيثَاتِ والطيبات لِلطَّيِّبِينَ والطيبون لِلْطَّيِّبَاتِ} أي الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، وكذلك الطيبات من النساء للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من النساء، وهذا كالدليل على براءة عائشة لأنها زوجة أشرف رسول وأكرم مخلوق على الله، وما كان الله ليجعلها زوجة لأحبِّ عباده لو لم تكن عفيفة طاهرة شريفة {أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} أي أولئك الفضلاء منزهون ممَّا تقوَّله أهل الإِفك في حقهم من الكذب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015