صفوه التفاسير (صفحة 831)

ولم يكن بشراً {مَّا سَمِعْنَا بهذا في آبَآئِنَا الأولين} أي ما سمعنا بمثل هذاكللام في الأمم الماضية، والدهور الخالية {إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} أي ما هو إلا رجلٌ به جنون {فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حتى حِينٍ} أي انتظروا واصبروا عليه مدة حتى يموت {قَالَ رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ} أي قال نوح بعد ما يئس من إِيمانهم: ربِّ انصرني عليهم بإِهلاكهم عامةً بسبب تكذيبهم إِياي {فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا} أي فأوحينا إِليه عند ذلك أن اصنع السفينة بمرأى منا وحفظنا {وَوَحْيِنَا} أي بأمرنا وتعليمنا {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا} أي فإِذا جاء أمرنا بإِنزال العذاب {وَفَارَ التنور} أي فار الماء في التنور الذي يخبز فيه قال المفسرون: جعل الله ذلك علامة لنوح على هلاك قومه {فاسلك فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين} أي فأدخل في السفينة من كل صنفٍ من الحيوان زوجين «ذكر وأنثى» لئلا ينقطع نسل ذلك الحيوان {وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ} أي واحمل أهلك أيضاً إِلاّ من سبق عليه القول بالهلاك ممن لم يؤمن كزوجته وابنه {وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} أي ولا تسألني الشفاعة للظالمين عند مشاهدة هلاكهم فقد قضيت أنهم مغرقون محكوم عليهم بالغرق {فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك} أي فإِذا علوت أنت ومن معك من المؤمنين على السفينة {فَقُلِ الحمد للَّهِ الذي نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين} أي احمدوا الله على تخليصه إِياكم من الغرق وإِنما قال {فَقُلِ} ولم يقل فقولوا لأن نوحاً كان نبياً لهم وإِماماً فخطابه خطابٌ لهم {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً} أي أنزلني إِنزالاً مباركاً يحفظني من كل سوء وشر قال ابن عباس: هذا حين خرج من السفينة {وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} أي أنت يا رب خير المنزلين لأوليائك والحافظين لعبادك {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ} أي إِنَّ فيما جرى على أمة نوح دلائل وعبر يستدل بها أولوا الأبصار {وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} أي وإِنَّ الحال والشأن كنا مختبرين للعباد بإِرسال المرسلين {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} أي ثم أوجدنا من بعد قوم نوح قوماً آخرين يخلفونهم وهم قوم عاد {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ} أي أرسلنا إِليهم رسولاً من عشيرتهم هو هود عليه السلام {أَنِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} أي أعبدوه وحده ولا تشركوا به أحداً لأنه ليس لكم ربٌّ سواه {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أي أفلا تخافون عذابه وانتقامه إِن كفرتم؟ {وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخرة} أي قال أشراف قومه الكفرة المكذبون بالآخرة وما فيها من الثواب والعقاب {وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا} أي وسَّعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا ونعمناهم في هذه الحياة {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} أي قالوا لأتباعهم مضلين لهم: ما هذا الذي يزعم أنه رسول إِلا إِنسان مثلكم {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} أي يأكل مثلكم ويشرب مثلكم فلا فضل له عليكم لأنه محتاج إِلى الطعام والشراب {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ} أي ولئن أطعتموه وصدقتموه فإِنكم لخاسرون حقاً حيق أذللتم أنفسكم باتّباعه قال أبو السعود: انظر كيف جعلوا اتباع الرسول الحق الذي يوصلهم إلى سعادة الدارين خسراناً دون عبادة الأصنام التي لا خسران وراءها؟ قاتلهم الله أنَّى يؤفكون {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً} استفهام على وجه الاستهزاء والاستبعاد أي أيعدكم بالحياة بعد الموت أن تصبحوا رفاتاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015