المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أحوال المنافقين، المتخلفين عن الجهاد، المثبطين عنه، ذكر صفات المؤمنين المجاهدين، الذين باعوا أنفسهم لله. . ثم ذكر قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وتوبة الله عليهم، وختم السورة بتذكير المؤمنين بالنعمة العظمى، ببعثة السراج المنير، النبي العربي، الذي أرسله الله رحمة للعالمين.
اللغَة: {أَوَّاهٌ} كثير التأوه ومعناه الخاشع المتضرع، يقال: تأوه الرجل تأوهاً إِذا توجع قال الشاعر:
إِذا ما قمت أُحلها بليلٍ ... تأوه آهة الرجل الحزين
{حَلِيمٌ} الحليم: الكثير الحلم وهو الذي يصفح عن الذنب ويصبر على الأذى {العسرة} الشدة وصعوبة الأمر وتسمى غزوة تبوك «غزوة العسرة» لما فيها من المشقة والشدة {يَزِيغُ} الزيغ: الميل: يقال زاغ قلبه إِذا مال عن الهدى والإِيمان {ظَمَأٌ} الظمأ: شدة العطش {نَصَبٌ} النصب: الإِعياء والتعب {مَخْمَصَةٌ} مجاعة شديدة يظهر بها ضمور البطن {يَنَالُونَ} يصيبون، نال الشيء إِذا أدركه وأصابه {غِلْظَةً} شدة وقوة وحمية {عَزِيزٌ} صعب وشاق {عَنِتُّمْ} العنت: الشدة والمشقة.
سَبَبُ النّزول: أ - «لما بايع الأنصار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليلة العقبة - وكانوا سبعين رجلاً - قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، قالوا: فإِذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة، ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل» فنزلت {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ ... } الآية.
ب - لما حضرت أبا طالب الوفاة، «دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية، فقال: أي عم قل» لا إِله إِلا الله «كلمة لك بها عند الله، فقال أبو جهل وابن أُمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول» لا إِله إِلا الله «فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ ... } » ونزلت {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] .
التفسِير: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة} أي اشترى أموال