يحسبون أنهم كانوا في بنائه محسنين، روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعث إِلى ذلك المسجد من هدمه وحرقه وأمر بإِلقاء الجيف والنتن والقمامة فيه إِهانة لأهله، فلذلك اشتد غيظ المنافقين وحقدهم {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} أي لا يزالون في ارتياب وغيظ إِلا أن تتصدع قلوبهم فيموتوا {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي والله سبحانه عليم بأحوال المنافقين، حكيم في تدبيره إِياهم ومجازاتهم بسوء نياتهم.
البَلاَغَة: 1 - {الغيب والشهادة} بين الكلمتين طباق.
2 - {لاَ يرضى عَنِ القوم الفاسقين} الإِظهار في مضع الإِضمار لزيادة التشنيع والتقبيح وأصله لا يرضى عنهم.
3 - {سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ} فيه مجاز مرسل أي يدخلهم في جنته التي هي محل الرحمة وهو من إِطلاق الحال وإِرادة المحل.
4 - {عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} بين {صَالِحاً سَيِّئاً} طباق.
5 - {إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} فيه تشبيه بليغ حيث جعل الصلاة نفس السكن والاطمئنان مبالغة وأصله كالسكن حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فأصبح بليغاً.
6 - {هَارٍ فانهار} بينهما جناس ناقص وهو من المحسنات البديعية.
7 - {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على تقوى} في الكلام استعارة مكنية حيث شبهت التقوى والرضوان بأرض صلبة يعتمد عليها البنيان وطوي ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو التأسيس.
تنبيه: كلمة «عسى» من الله واجب قال الإِمام الرازي: وتحقيق القول فيه أن القرآن نزل على عرف الناس في الكلام، والسلطان العظيم إِذا الشمس المحتاج منه شيئاً فإِنه لا يجيبه إِلا على سبيل الترجي مع كلمة «عسى» أو «لعل» تنبيهاً على أنه ليس لأحد أن يلزمه بشيء، بل كل ما يفعله فإِنما هو على سبيل التفضل والتطول، وفيه فائدة أخرى وهو أن يكون المكلف على الطمع والإِشفاق لأنه أبعد من الإِتكال والإِهمال.
لطيفَة: روى الأعمش أن أعرابياً جلس إِلى «زيد بن صوحان» وهو يحدث أصحابه - وكانت يده أصيبت يوم نهاوند، فقال الأعرابي: والله إِن حديثك ليعجبني، وإِن يدك لتريبني! قال زيد: ما يريبك من يدي إِنها الشمال، فقال الأعرابي: والله ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال فقال زيد: صدق الله {الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله على رَسُولِهِ ... } الآية، معنى تريبني أي تدخل إِلى قلبي الشك هل قطعت في سرقة وهذا من جهل الأعرابي.