صفوه التفاسير (صفحة 309)

عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء} نزلت في أحبار اليهود حين قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِن كنت نبياً فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى جملة، وإِنما طلبوا ذلك على وجه التعنت والعناد، فذكر تعالى سؤالهم ما هو أفظع وأشنع تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للتأسي بالرسل فقال {فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك فقالوا أَرِنَا الله جَهْرَةً} أي سألوا موسى رؤية الله عَزَّ وَجَلَّ عياناً {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة بِظُلْمِهِمْ} أي جاءتهم من السماء نار فأهلكنهم بسبب ظلمهم {ثُمَّ اتخذوا العجل مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات} أي ثم اتخذوا العجل إِلهاً وعبدوه من بعد ما جاءتهم المعجزات والحجج الباهرات من العصا واليد وفلق البحر وغيرها قال أبو السعود: وهذه المسألة - وهي طلب رؤية الله - وإِن صدرت عن أسلافهم لكنهم لما كانوا مقتدين بهم في كل ما يأتون ويذرون أسندت إِليهم {فَعَفَوْنَا عَن ذلك} أي عفونا عما ارتكبوه مع عظم جريمتهم وخيانتهم {وَآتَيْنَا موسى سُلْطَاناً مُّبِيناً} أي حجة ظاهرة تظهر صدقة وصحة نبوته قال الطبري: وتلك الحجة هي الآيات البينات التي آتاه الله إِياها {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور بِمِيثَاقِهِمْ} أي رفعنا الجبل فوقهم لما امتنعوا عن قبول شريعة التوراة بسبب الميثاق ليقبلوه {وَقُلْنَا لَهُمُ ادخلوا الباب سُجَّداً} أي ادخلوا باب بيت المقدس مطأطئين رءوسكم خضوعاً لله فخالفوا ما أُمروا به ودخلوا يزحفون على استاههم وهم يقولون حنطة في شعرة استهزاءً {وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السبت} أي لا تعتدوا باصطياد الحيتان يوم السبت فخالفوا واصطادوا {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً} أي عهداً وثيقاً مؤكداً {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ} أي فبسبب نقضهم الميثاق لعنّاهم وأذللناهم و {مَا} لتأكيد المعنى {وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ الله} أي وبجحودهم بالقرآن العظيم {وَقَتْلِهِمُ الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ} كزكريا ويحيى عليه السلام {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أي قولهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قلوبنا مغشّاة بأغشية لا تعي ما تقوله يا محمد، قال تعالى رداً عليهم {بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} أي بل ختم تعالى عليها بسبب الكفر والضلال فلا يؤمن منهم إِلا القليل كعبد الله بن سلام وأصحابه {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} أي وبكفرهم بعيسى عليه السلام أيضاً ورميهم مريم بالزنى وقد فضلها الله على نساء العالمين {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله} أي قتلنا هذا الذي يزعم أنه رسول الله، وهذا إِنما قالوه على سبيل «التهكم والاستهزاء» كقول فرعون

{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] وإِلاّ فهم يزعمون أن عيسى ابن زنى وأمه زانية ولا يعقتدون أنه رسول الله قال تعالى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبِّهَ لَهُمْ} أي وما قتلوا عيسى ولا صلبوه ولكن قتلوا وصلبوا من أُلقي عليه شَبَههُ قال البيضاوي: روي أن رجلاً كان ينافق لعيسى فخرج ليدل عليه فألقى الله عليه شبهه فأخذ وصُلب وهم يظنون أنه عيسى {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} أي وإِن الذين اختلفوا في شأن عيسى لفي شك من قتله، روي أنه لما رُفع عيسى وأُلقي شبهه على غيره فقتلوه قالوا: إِن كان هذا المقتول عيسى فأين صاحبنا؟ وإِن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فاختلفوا فقال بعضهم هو عيسى وقال بعضهم ليس هو عيسى بل هو غيره، فأجمعوا أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015