الملعونة، فإِذا جاع أهل النار التجئوا إليها فأكلوا منها، فغلبت في بطونهم كما يغلي الماء الحار، وشبَّه تعالى ما يصير منها إلى بطونهم بالمُهل وهو النحاس المذاب، والمرادُ بالأثيم الفاجر ذو الإِثم وهو أبو جهل، وذلك أنه كان يقول: يعدنا محمد أن في جهنم الزقوم، وإنما هو الثَّريد بالزبد والتمر، ثم يأتي بالزبد والتمر ويقول لأصحابه: تزقموا، سخريةً واستهزاءً بكلام الله، قال تعالى {خُذُوهُ فاعتلوه إلى سَوَآءِ الجحيم} أي يُقال للزبانية: خذوا هذا الفاجر اللئيم فسوقوه وجروه من تلابيبه بعنف وشدة إلى وسط الجحيم {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} أي ثم صبوا فوق رأس هذا الفاجر عذاب ذلك الحميم الذي تناهى حرُّه {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} أي يقال له على سبيل الاستهزاء والإِهانة: ذقْ هذا العذاب فإِنك أنت المعزَّز المكرَّم قال عكرمة: التقى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأبي جهل فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إنَّ الله أمرني أن أقول لك {أولى لَكَ فأولى} [القيامة: 34] فقال: بأي شيءٍ تهددني! واللهِ ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً، إني لمن أعزَّ هذا الوادي وأكرمه على قومه، فقتله الله يوم بدر وأذلَّه ونزلت هذه الآية {إِنَّ هذا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي إنَّ هذا العذاب هو ما كنتم تشكُّون به في الدنيا، فذوقوه اليوم {أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} [الطور: 15] والجمعُ في الآية باعتبار المعنى لأن المراد جنس الأثيم. . ولما ذكر تعالى أحوال أهل النار أتبعه بذكر أحوال أهل الجنة فقال {إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} أي الذين اتقوا اللهَ في الدنيا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هم اليوم في موضع إِقامة يأمنون فيه من الآفات والمنغصات والمكاره، وهو الجننة ولهذا قال بعده {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أي في حدائق وبساتين ناضرة، وعيونٍ جارية {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} أي يلبسون ثياب الحرير، الرقيق منه وهو السندس، والسميك منه وهو الاستبرق {مُّتَقَابِلِينَ} أي متقابلين في المجالس ليستأنس بعضهم ببعض {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} أي كذلك أكرمناهم بأنواع الإِكرام، وزوجناهم أيضاً بالحور الحسان في الجنان قال البيضاوي: أي قرناهم بالحور العين، والحوراءُ: البيضاءًُ، والعيناءُ عظيمة العينين، وإنما وصف تعالى نعيمهم بذلك لأن الجنات والأنهار من أقوى أسباب نزهة الخاطر، وانفراجه عن الغم، ثم ذكر الحور الحِسان لأن بها اكتمال سعادة الإِنسان كما قيل «ثلاثةُ تنفي عن القلب الحزن: الماء، والخضرةُ، والوجهُ الحسن» ثم زاد في بيان النعيم فقال {يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} أي يطلبون من الخدم إحضار جميع أنواع الفواكه في الجنة، لأجل أنهم آمنون من التخم والأمراض، فلا تعب في الجنة ولا وَصَب {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} استثناء منقطع أي لا يذوقون في الجنة الموت لكنهم قد ذاقوا الموتة الأولى في الدنيا فلم يعد ثمة موت، بل خلود أبد الآبدين {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم} أي خلَّصهم ونجَّاهم من عذاب جهنم الشديد الأليم {فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ} أي فعل ذلك بهم تفضلاً منه تعالى عليهم {ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} أي ذلك الذي أعطوه من النعيم، هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي فإِنما سهلنا القرآن بغلتكم وهي لسان العرب لعلهم يتعظون وينزجرون {فارتقب إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} أي فانتظر يا محمد ما يحل بهم، إِنهم منتظرون