صفوه التفاسير (صفحة 1232)

التهديد أي أهؤلاء المشركون أقى وأشدُّ أم أهل سبأ ملوك اليمن؟ الذين كانوا أكثر أموالاً، وأعظم نعيماً من كفار مكة؟ {والذين مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ} أي والذين سبقوهم من الأمم العاتية أهلكناهم، وخربنا بلادهم، وفرقناهم شذر مذر قال أبو السعود: والمراد بهم عاد وثمود وأضرابهم من كل جبار عنيد، أولي بأسٍ شديد، فأولئك كانوا أقوى من هؤلاء، وقد أهلكهم الله مع ما كنوا عليه من غاية القوة والشدة، فإِهلاك هؤلاء أولى {إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} تعليل للإِهلاك أي أهلنكاهم ودمرناهم بسبب إِجرامهم، وفيه وعيد وتهديد لقريش أن يفعل الله بهم ما فعل بقوم تُبَّع والمكذبين.

. ثم نبه تعالى إلى دلائل البعث وهو خلق العالم بالحقِّ فقال {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} أي ما خلقنا هذا الكون وما فيه من المخلوقات البديعة لعباً وعبثاً {مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بالحق} أي ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات إالا بالعدل والحقِّ المبين، لنجازي المحسن بإِحسانه والمسيء بإِساءته {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون ذلك فينكرون البعث والجزاء قال المفسرون: إن الله تعالى خلق النوع الإِنساني، وخلق ما ينتظم به أسباب معاشهم، من السقف المرفوع، والمهاد المفروش، وما بينهما من عجائب المصنوعات، وبدائع المخلوقات، ثم كلفهم بالإِيمان والطاعة، فآمن البعض وكفر البعض، فلا بدَّ إذاً من دار جزاء يثاب فيها المحسن، ويعاقب فيها المسيء، لتجزى كل نفسٍ بما كسبت، ولو لم يحصل البعث والجزاء لكان هذا الخلق لهواً وعبثاً، وتنزَّه الله عن ذلك، ولهذا قال بعده {إِنَّ يَوْمَ الفصل مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} أي إن يوم القيامة موعد حساب الخلائق أجمعين، سُمي {يَوْمَ الفصل} لأنه الله تعالى يفصل فيه بين الخلق كما قال {يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: 3] {يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} أي في ذلك اليوم الرهيب، لا يدفع قريب عن قريبه، ولا صديقٌ عن صديقه، ولا ينفع أحدٌ أحداً ولا ينصره ولو كان قريبه كقوله {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً}

[لقمان: 33] {إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} استثناء متصل أي لا يغني قريبٌ عن قريب إلا المؤمنين فإِنه يُؤذن لهم في شفاعة بعضهم لبعض وقيل: منقطع أي لكنْ من رَحِمَهُ اللَّهُ ُ فإِنه يشفع وينفع قال ابن عباس: يريد المؤمن فإِنه تشفع له الأنبياء والملائكة {إِنَّهُ هُوَ العزيز الرحيم} أي هو المنتقم من أعدائه، الرحيمُ بأوليائه. . ولما ذكر الأدلة على القيامة، أردفه بوصف ذلك اليوم العصيب، فذكر وعيد الكفار أولاً ثم وعند الأَبرار ثانياً للجمع بين الترهيب والترغيب فقال {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} أي إن هذه الشجرة الخبيثة شجرة الزقوم التي تنبتُ في أصل الجحيم، طعام كل فاجر، ليس له طعام غيرها قال أبو حيان: الأثيمُ صفة مبالغة وهو الكثير الآثام، وفُسِّر بالمشرك {كالمهل يَغْلِي فِي البطون} أي هي في شناعتها وفظاعتها إذا أكلها الإِنسان كالنحاس المذاب الذي تناهى حرُّه، فهو يُجرجر في البطن {كَغَلْيِ الحميم} أي كغليان الماء الشديد الحرارة قال القرطبي: وشجرة الزقوم هي الشجرة التي خلقها الله في جهنم، وسمَّاها الشجرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015