أفضل الصلاة والتسليم {أَنْ أدوا إِلَيَّ عِبَادَ الله} أي فقال لهم موسى: ادفعوا إليَّ عبادَ الله وأطلقوهم من العذاب، يدريد بني إِسرائيل كقوله تعالى
{فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ} [طه: 47] {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} أي إني رسولٌ مؤتمنٌ على الوحي غير متهم، وأنا لكم ناصح فاقبلوا بنصحي {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} أي لا تتكبروا على الله ولا تترفَّعوا عن طاعته {إني آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي قد جئتكم بحجةٍ واضحة، وبرهانٍ ساطع، يعترف بهما كل عاقل {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ} أي التجأت إليه تعالى واستجرت به من أن تقتلوني قال القرطبي: كأنهم توعَّدوه بالقتل فاستجار بالله {وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فاعتزلون} أي وإن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل ما أتيتكم به من الحجة، فكفوا عن أذاي وخلُّوا سبيلي قال ابن كثير: أي لاتتعرضوا لي ودعوا الأمر مسالمةً إلى أن يقضي الله بيننا {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هؤلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} أي فدعا عليهم لمّا كذبوه قائلاً: يا ربِّ إن هؤلاء قوم مجرمون فانتقم منهم {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} في الكلام حذف تقديره فأوحينا إليه وقلنا له: أسرِ بعبادي أي أخرج ببني إسرائيل ليلاً فإن فرعون وقومه يتبعونكم، يوكن ذلك سبباً لهلاكهم {واترك البحر رَهْواً} أي واترك البحر ساكناً منفرجاً على هيئته بعد أن تجاوزه {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} أي إنَّ فرعون وقومه سيغرقون فيه قال في التسهيل: لمَّا جاوز موسى البحر أراد أن يضربه بعصاه فينطبق كما ضربه فانفلق، فأمره الله بأن يتركه ساكناً كما هو ليدخله فرعون وقومه فيغرقوا فيه، وإنما أخبره تعالى بذلك ليبقى فارغ القلب من شرهم وإِيذائهم، مطمئناً إلى أنهم لن يدركوا بني إسرئيل، ثم أخبر تعالى عن هلاكهم فقال {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} كم للتكثير أي لقد تركوا كثيراً من البساتين والحدائق الغناء والأنهار والعيون الجارية {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} أي ومزارع عديدة فيها أنواع المزروعات ومجالس ومنازل حسنة قال قتادة: {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} هي المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها {وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ} أي وتنعم بالعيش مع الحسن والنضارة كانوا فيها ناعمين بالرفاعية وكمال السرور قال الإِمام الفخر: بيَّن تعالى أنهم بعد غرقهم تركوا هذه الأشياء الخمسة هي: الجنات، والعيون، والزروع، والمقام الكريم وهو المجالس والمنازل الحسنة ونعمة العيش بفتح النون هي حسنُه ونضارته {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} أي كذلك فعلنا بهم حيث أهلكناهم وأورثنا ملكهم وديارهم لقومٍ آخرين، كانوا مستعبدين في يد القبط وهم بنو إسرائيل قال ابن كثير: والمراد بهم بنو إسرائيل فقد استولوا بعد غرق فرعون وقومه على الممالك القبطية، والبلاد المصرية كما قال تعالى
{وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137] وقال تعالى في مكان آخر {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 59] {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض} أي فما حزن على فقدهم أحد، ولا تأثر بموتهم