الحياة الدنيا} أي فما أعطيتم أيها الناس من شيء من نعيم الدنيا وزهرتها الفانية، فإنما هو نعيم زائل، تتمتعون به مدة حياتكم ثم يزول {وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى} أي وما عند الله من الثواب والنعيم، خيرٌ من الدينا وما فيها لأنَّ نعيم الآخرة دائم مستمر، فلا تُقدِّموا الفاني على الباقي {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} أي للذين صدَّقوا الله ورسوله وصبروا على ترك الملاذ في الدنيا {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي واعتمدوا على الله وحده في جميع أمورهم {والذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم} أي وهؤلاء المؤمنون هم الذين يجتنبون كبائر الذنوب كالشرك والقتل وعقوق الوالدين {والفواحش} قال ابن عباس: يعني الزنى {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} أي إذا غضبوا على أحدٍ ممَّن اعتدى عليهم عفوا وصفحوا قال الصاوي: من مكارم الأخلاق التجاوز والحلم عند حصول الغضب، ولكن يشترط أن يكون الحلم غير مخلٍ بالمروءة، ولا واجباً كما إِذا انتهكت حرماتُ الله فالواجب حنيئذٍ الغضب لا الحلم، وعليه قول الشافعي «من استُغضب ولم يغضب فهو حمار» وقال الشاعر «وحلمُ الفتى في غير موضعه جهل» {والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ} أي أجابوا ربهم إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة قال البيضاوي: نزل في الأنصار دعاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى الإِيمان فاستجابوا {وَأَقَامُواْ الصلاة} أي أدوها بشروطها وآدابها، وحافظوا عليها في أوقاتها {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ} أي يتشاورون في الأمور ولا يعجلون، ولا يُبرمون أمراً من مهمات الدنيا والدين إلا بعد المشورة {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} أي وينفقون مما أعطاهم الله في سبيل الله بالإِحسان إلى خلق الله {والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ} أي ينتقمون ممن بغى عليهم، ولا يستسلمون الظلم المعتدي قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يُذلُوةا أنفسهم فتجترىء عليهم الفساق قال أبو السعود: وهو وصفٌ لهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر الفضائل، وهذا لا ينافي وصفهم بالغفران فإِن كلاً في موضعه محمود {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} أي وجزاء العدوان أن ينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي عليه بالزيادة قال الإِمام الفخر: لما قال تعالى {والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ} أردفه بما يدل على أن ذلك الانتصار يجب أني كون مقيداً بالمثل دون زيادة، وإِنما سمَّى ذلك سيئة لأنها تسوء من تنزل به {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} أي فمن عفا عن الظالم، وأصلح بينه وبين عدوه، فإِن الله يثيبه على ذلك الأجر الجزيل قال ابن كثير: شرع تعالى العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، فمن عفا فإِن الله لا يضيع له ذلك كما جاء في الحديث
«وما زاد اللهُ تعالى عبداً بعفوٍ إلا عزاً» {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين} أي إنه جل وعلا يبغض البادئتين بالظلم، والمعتدين في الانتقام {وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي انتصر ممن ظلمه دون عدوان {فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} أي فليس عليهم عقوبة ولا مؤاخذة، لأنهم أتوا بما أبيح له من الانتصار {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس} إي إنما العقوبة والمؤاخذة على المعتدين الذين يظلمون الناس بعدوانهم {وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} أي